حزنت جداً لرحيل الاخ محمد علي حامد احمد
في حادث الحركة المشؤوم لبص جسكابو الذي فقد السودان بسببه عدد من ابناءه الابرياء
الذين ذهبوا عن الحياة في فاتحة يونيو الجاري. لا نقول الا ما يرضي الله ونسال
الله ان يدخله الجنة . الحقيقة، هناك حاجة ملحة لمراجعة اسباب تكرار هذه الحوادث
التي نسمعها كل يوم بكل ما تحملة من مآسي وآلام. هل السبب في رداءة الطرق ام في سلوك
السائقين ام في نظم ادارة الحركة ام نقص في احتياطات السلامة في وسائل النقل ولماذا تتكرر هذه الحوادث في مناطق محددة وفي
اوقات محددة . هذه اسئلة مشروعة ينبغي ان يشارك الكل في الاجابة عليها مسؤولين
ومواطنين واصحاب راي وسائقين واتحاد اصحاب عمل وغيرها من الجهات ذات الصلة .
معرفتي بمحمد علي ترجع الي منتصف تسعينيات
القرن الماضي وهي لم تتجاوز في البدء بعض الأنس الخفيف لكن في كل مرة كنت اتمني ان
اجد مزيداً من الوقت للجلوس له والنقاش معه. كان يزورنا ونحن طلاب من البحر الاحمر
ومن ثم امتدت هذه العلاقة لتشمل نقاشات اوسع. آخر مرة التقيته بها كانت في شارع
النيل بالخرطوم بالقرب من العمارة الكويتية حيث يقع مكتبه . ولم نلق بعدها الا عبر
الفيسبوك وبعدها علمت انه ذهب لتبوء منصب في احدي المنظمات الدولية في موزمبيق . المرة
الأطول التي قضيتها معه حين عملنا معاً في تنفيذ دراسة ميدانية فنية واجتماعية
للبحث عن سبل توفير طاقات بديلة ومتجددة لإستخدامات المجتمعات الريفية في بعض قري
شمال البحر الاحمر . محمد علي انسان بجاوي بسيط ، قليل الكلام ميال الي السخرية
الصامتة واطلاق التعليقات النبيهة، يتحدث بصوت خافت ، ويبتسم بهدوء دون قهقه. لم
اعرف انتماء سياسي له حيث انه ليس من النوع الذي يجادلك لفرض وجهات نظره علي
النقاش بصورة فجة عهدناها في كثير من المتعلمين وهي طريقة تكشف كل الذي يحملونه من
قناعات وافكار واتجاهات وانفعالات.
محمد علي كان نموذج للشاب البجاوي العصامي
الذي شق طريقه العلمي والعملي باظافره متحديا كل الصعاب والمتاريس التي تبدا من
الاساس وتزداد صعوبة في رحلة الصعود ، شاب
نشا في بيئة لا تهتم كثيرا بالتعليم كبيئة كل ارياف البحر الاحمر . تخرج فقيدنا في
كلية الهندسة بجامعة الخرطوم. تخصصه في
الهندسة الكهربائية وبالتحديد في الطاقة الشمسية اهله للحصول علي منحة من المانيا
التي درس فيها هندسة الطاقة الشمسية بجامعة اولدينبيرج بشمال المانيا ، والمانيا
وما ادراك ما المانيا قلب اوروبا ، البلد التي لا يعرف اهلها الاوانطة ولا يعرفون
التراخي فيما يقومون به ، تقول الرواية الاوروبية الشائعة ان الطفل الالماني عند
الولادة يطلق صوته ( آربايتن آربايتن ) وتعني العمل العمل .
كاي طالب علم ملتزم ووطني غيور ، عاد الي
بلاده لتطبيق ما درس بدلاُ من البقاء في اوروبا او البحث عن المراعي المخضرة في
بلاد اخري كما يفعل كثير من النخب والمتعلمين في تصرف لا يخلو من انانية ، التحق بمركز ابحاث الطاقة ليعمل في تنفيذ عدد من المشروعات بعضها ممول من
منظمات دولية واخري من حكومة السودان . كما ادار عدد من مشروعات المنظمات الدولية المعنية
بالطاقة الشمسية في السودان مثل المشروع المشترك بين حكومة السودان وبرنامج الامم
المتحدة الانمائي ومرفق البيئة العالمي
الخاص بمشروعات الطاقة الريفية والذي تم عبره تنفيذ عدد من المشروعات والدراسات
منها خطة السودان للطاقات المتجددة ومسوحات الاحتياجات الفعلية للطاقة الريفية.
كما شغل مواقع استشارية لحكومة السودان ( وزارة الطاقة والتعدين) بشان الطاقة
الشمسية وكذلك منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية لمشروعها الخاصة بمواقد الطبخ
في المناطق الريفية وصندوق تنمية شرق السودان حيث ساهم في اعداد عدد من الدارسات
التي قدمت في مؤتمر الكويت لتنمية شرق السودان. فقيدنا عمل ايضاً استاذا في جامعة
ام درمان الاهلية وبعض مؤسسات التعليم العالي .
بفقد محمد علي فقد السودان احد علمائه في
مجال الطاقات المتجددة والطاقة الشمسية ، وفقد سكان ارياف ولايات السودان انساناً يقدم خدماته في تركيب مشروعات الطاقة
الشمسية وتطوير دراساتها ومشروعاتها . ادعو اصدقاء الفقيد واحبابه ان يساهموا ببعض
الوفاء له عبر نشر وطباعة بحوثه واعماله العديدة التي هي كلها او اغلبها في
مشروعات التنمية الريفية ذات الصلة بالطاقات البديلة.
رحم الله ابن السودان والبحر الاحمر
واركويت محمد علي واسكنه الجنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق