الجمعة، 21 أغسطس 2015

التسلط وآثاره السالبة



التسلط عاهة سلوكية ونفسية ، يعاني منها الفرد المتسلط نفسه قبل الآخرين المتعاملين معه. يذهب الذهن مباشرة الي ربط التسلط بالحكم والحكام إلا ان الحالة لا تقف عند شخص محدد، فكثير من الاشخاص العاديين ايضاً يمارسون التسلط  سواء كان ذلك في بيوتهم او مواقع اعمالهم وأنشطتهم او عند الحوار والنقاش مع الآخرين . نعم، فالحكام والمدراء ومن هم في موقع المسؤولية تمتد تأثيرات تسلطهم علي الحياة العامة والاخرين وبالتالي فنتيجة تسلطهم اكثر ضرراً وخطورة بحكم إمتلاكهم لأدوات التأثير التي توفرها لهم السلطة التي بين أيديهم. هنا نذكر المقولة التي تشير الي ما يسمي بخطورة السلطة اي بمعني أن السلطة سلاح ذو حدين يمكن إستخدامها في  تحقيق النتائج العظيمة وبنفس القدرة يمكن عبرها خلق الأخطاء القاتلة ، فالامر في النهاية يتوقف علي نوع العقل الذي يتخذ القرار ويمارس السلطة.
إلتقيت رجال من هذا النوع سواء أيام الدراسة ونحن طلاب، ومن ثم في الحياة العامة والعملية. وكلنا بإمكانه تذكر الشخصيات المتسلطة التي التقي بها في حياته ومدي تأثيرها في الآخرين.
الشخص المتسلط يفتقد الإحساس بقيمة تفكير الاخرين حيث يعمل إبتداءً علي عدم منحهم الفرصة لإبداء الآراء والإستماع اليهم. المتسلط شخصية لا يستخدم حاسة السمع التي وهبها الله للإنسان حيث جعل له أذنين مقابل فم ولسان واحد . المتسلط شخصية أنانية تحب ذاتها، وتحتقر الآخرين. المتسلط شخصية تستبطن الكثير من الأمراض النفسية والمزاجية ومنها التكبر، والتشدد، وحدة المزاج ، والحماقة. آفة المتسلط إنه يحرم نفسة من ميزة التعلم من آراء وتجارب وعبر الآخرين سواء عبر اخذ ارائهم او عبرهم وتجاربهم، وبالتالي فأن فرصته في الأخطاء اكثر من الشخص غير المتسلط ، فمعظم الأخطاء التي يقوم بها البشر فهي متكررة في الغالب الاعم.
يميل المتسلط الي أخذ قراراته دون دراسة الظروف المحيطة او إدراك الأبعاد المتصلة بها ، وعند وقوعه في الأخطاء بدلاً من مراجعة نفسه ومواقفه يواصل هواياته الهوجاء في الإصرار علي الانفراد، وهنا يقود نفسه ومن معه والمؤسسة التي يديرها الي مزيد من الأخطاء والخسائر.
بما ان المتسلط لا يحترم أراء الاخرين، فأنه إنسان لديه قدرة علي خلق الخصوم والمفاجرة معهم . في المؤسسات التي يقودها أشخاص متسلطين يتحول المرؤسين تلقائياً الي ثلاث مجموعات. الجزء الاول يرفض التعامل مع المسؤول المتسلط ، وهؤلاء أغلبهم من المقتدرين مهنياً الذين يحملون تصورات لطبيعة العمل، وفي الغالب يدخلون في صراع مع المسؤول وقد ينتصرون عليه او يتركون العمل او يواصلون الصراع من داخل المؤسسة. النوع الثاني فيقبل الأوضاع كما هي رغم آرائه،  ويتساير مع الوضع، وهؤلاء أغلبهم من الذين يخشون من تبعات الصراع، وهم لا يضيفون الكثير للمتسلط ولا ينصحونه خشية الصدام معه. النوع الثالث هو الأخطر وهو الذي يعمل علي إستغلال الظروف، وغالباً يتحلقون حول المتسلط ويعملون علي تعبئته ضد الاخرين. هذا النوع هم بشر طفيلييون يفتقدون الي الأخلاق السليمة ، وتحركهم أطماعهم ونفوسهم المريضة التي تشترك كثيراً مع العقد النفسية التي يعاني منها المتسلط مثل الانانية والاطماع .  
الجانب الإيجابي في شخصية المتسلط إنه إنسان عملي اي بمعني واضح المواقف وهو أمر مهم في الحياة العملية. كما يمكنه أن يقود بعض النجاحات والتحولات الإيجابية، لكن مشكلته إنه يحولها الي فشل من نوع آخر نتيجة مزاجيته وتفكيره. أغلب المتسلطين خصوصاً الحكام والمدراء منهم تخلقهم ظروف محددة منها التبعية العمياء لمن حولهم ومنحهم إحساس بالتفوق والقدرة غير العادية مما يساهم في إفسادهم.

الأربعاء، 12 أغسطس 2015

حكمة الصمت ، ومتي يصبح الكلام غير مجد ؟



مع إتفاقنا علي أهمية البيان والكلام ، إلا ان هناك الكثير من الأمثلة والمقولات التي تمجد الصمت وتدعو اليه. فنسمع عبارات من شاكلة ( إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب)، (صمتي لا يعني جهلي بما حولي ولكن ما يدور حولي لا يستحق الكلام) ، ( يندم الانسان احياناً علي الكلام ولكن لا يوجد من يندم علي الصمت) . كثيرة هي العبارات من هذه الشاكلة حيث لا تحصي. من خلال تجربتي البسيطة والمتواضعة في هذه الحياة تعلمت أهمية قيمة الصمت التي استخدمها كثيراً عند مواجهة المشاكل . فالكلام لا يجدي في بعض المواقف بل يزيد الأمور تعقيداً .
 متي يكون الصمت حكمةً مطلوبة؟
 عندما تصل في نقاش ما الي نقطة اللاعودة او إلى الطريق المسدود نتيجة إختلاف وجهات النظر او سوء التفاهم لا يجدي هنا الا الصمت خصوصاً لو كان الذي تتحدث معه من النوع العصبي، او المشاتر ، والأحمق او المتكبر فهولاء لا يمكن أن تصل معهم الي مخرج ابداً مهما حاولت أن تحشد الحجج والمنطق في مواجهتهم. كما أن بعض القضايا المعقدة لا يجدي معها الكلام، فمن الأصوب السكوت عنها لفترة خصوصاً عندما تكون في مرحلتها الأولي . فبعد مرور وقت تهدء فيها الآلام والإنفعالات يمكن إستخدام الكلام في محاولة نقاشها ومن ثم حلها.
الثرثارون يجلبون لأنفسهم المشاكل ، لأنهم يطلقون الكلام دون حاجة إليه، ويتحدثون في ما لايعنيهم ، وفي أشياء كان مع الأصوب السكوت عنها، او يتحدثون مع الشخص الخطأ في الموضوع الخطأ. كلنا يمر بهؤلاء في يومياته ، وهم كالعادة تبدو عليهم البراءة عكس الصامتين لكن من الأفضل ان لا تصاحبهم وتقضي كثير وقت معهم ، فلا يضيفون لحياتك إلا الذنوب والهموم .
هناك إختلافات بالطبع بين ثقافات الشعوب فيما يلي الكلام والصمت. لا توجد شعوب تمجد الثرثرة الفارغة، كما لا تدعو الي الصمت السلبي اي بمعني الصمت حين يتطلب منك  الظرف المعين الكلام وعكس وجهات النظر. فالثقافة العربية تعتبر الصمت من علامات الرضي في بعض المواقف مثل موقف عرض الزواج علي الفتاة البكر، فيما تعتبر الثقافة الغربية الصمت علامة لعدم الإهتمام والإكتراث بالموضوع. هنا تظهر الفروقات في تقييم بعض السلوكيات في الثقافات البشرية المتعددة.

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

الإسكندرية ... ملتقي أركان الأرض



مدينة أخري أحبها هي الاسكندرية التي تلقب بعروس البحر المتوسط. يمكنني القول انها من أكثر المدن التي إنفتح لها وجداني ، وشعرت براحة عميقة وانا أقضي اياماً بين جنباتها ، فاي مكان فيها له نكهته ومذاقة، ففي الساحل الطويل للمدينة تجد المسابح المفتوحة وامواج البحر التي تغسل شواطئها كل دقيقة وثانية، وفي الأسواق والمقاهي تجد دفء وطيبة الإنسان الاسكندراني المميز الذي تربي علي مرور العصور علي احترام الاخرين وادراك قيمة التفاعل معهم  .
 مراكب الصيادين في الخليج الصغير الذي يفصل القلعة من منطقة المنشية
في الإسكندرية تلتقي كل تيارات الحضارات الانسانية حيث تجد رائحة لرياح الحضارة الغربية الاوروبية بكل عنفوانها وجنونها وتألقها وتقدمها، وتجد مناخا مفعما بالحضارة الاسلامية بكل سماحتها ولطافتها  حيث تجد في كل ركن من اركان المدينة مقاماً لواحد من السادة العارفين كبار الصوفية أولياء الله الصالحين مثل سيدنا المرسي ابوالعباس الذي ترتبط المدينة بإسمه وسيدي بشر، وسيدي جابر، والعجمي، والشاطبي الذين تحمل أعرق أحياء المدينة أسمائهم ، وتطول القائمة المقدسة لتشمل ياقوت العرش والدويداروغيرهم. في الإسكندرية تحملك المتاحف الي فترات سحيقة من التاريخ الإنساني بدءاً بالفراعنة والفرس ومروراً بالعهد اليوناني  ومن ثم كليوباترا والعهد الروماني إنتهاءً بمراحل التاريخ الاسلامي بكل فصوله بدءاً من الفتح الأول الذي استهدف المدينة باعتبارها عاصمة مصر ومن ثم العهود اللاحقة ومنها الايوبي والمماليكي والتركي العثماني. خضعت الاسكندرية لكل انواع الهجمات الخارجية باعتبارها بوابة البلاد نحو العالم فكل المستعمرين مروا عبرها او بها الي الداخل المصري. 
مكتبة الاسكندرية من الخارج في مواجهة البحر



في وسط سوق المنشية الذي يمثل بمثابة مركز المدينه يواجهك في احدي جوانبه وهو الجانب البحري نصب الجندي المجهول وفي الجانب الاخر تجد تمثال محمد علي باشا مؤسس الدولة المصرية الحديثة وهو يمتطي فرسه في تمثال اشبه بتمثال ابنه القائد ابراهيم باشا في ميدان العتبة بوسط القاهرة. وفي الطريق الرابط بين المنشية ومحطة الرمل استوقفني اسم شارع النبي دانيال فالاسم غريب بالنسبة لي لاننا لم نعهد هذا الاسم ضمن اسماء الانبياء الواجب معرفتهم. وقد عرفت انه احد انبياء اليهود، ولاغرو في ذلك لاننا نعلم ان الانبياء لاحصر لهم ولا يعلمهم الا الله وحده. الظاهرة الجديرة بالملاحظة وربما الدراسة ايضا في هذا الشارع  هو وجود مسجد وكنيسة ومعبد يهودي في شارع واحد، وهي اماكن للعبادة في الاديان السماوية الثلاث الامر الذي يمنح الشارع والمدينة ميزة اضافية باعتبارها مسرحا للتسامح الديني والتعايش بين الثقافات. فكثير من تصرفات الكراهية والعدوانية التي نجدها تتنامي في عالم اليوم لا تتوافق البته مع التعاليم والاسس الاخلاقية التي تدعو لها كل الاديان وعلي راسها الاديان السماوية .


 
قلعة السلطان قايتباي احد معالم الاسكندرية




مكتبة الاسكندرية عالم مليئ بكل كنوز المعرفة من كتب ومخطوطات وصور عن الاسكندرية وعن كل صنوف المعرفة. وتمثل هذه المكتبة ببنائها المميز احد اهم معالم المدينة العريقة والمتجددة. في ساحتها الخارجية يوجد تمثال صغير للاسكندر الاكبر مؤسس المدينة بالاضافة الي
وفي الجانب المقابل للمكتبة، تجد  قلعة السلطان قايتباي احد سلاطين المماليك التي تقف شامخة في مواجهة البحر ، وتحتوي الي غرف للجند وشبابيك صغيرة لاطلاق النيران ، اما جدارنها فهي سميكة صممت لتمتص صدمات القاذفات النارية. ولعبت القلع دورا كبير في حماية المدينة من الغزوات الخارجية سواء كانت من العثمانيين او الصليبيين. والجدير بالذكر ان هذه القلعة بنيت علي انقاض منارة الاسكندرية التاريخية التي يعدها المؤرخون احدي عجائب الدنيا السبعة.
في الجزء الشرقي من المدينة يقع قصر المنتزه ، الذي يعتبر احدي معالم الارث الملكي لاسرة محمد علي، فالقصر تحيط به حديقة واسعة تحتوي انواع مختلفة من الاشجار والنباتات بالاضافة الي مباني السكن . يقع في الجزء الساحلي من القصر فندق فلسطين الذي شهد الكثير من المؤتمرات التاريخية المهمة.
الإسكندرية مدينة متعددة المهام والادوار فبالاضافة الي انها ميناء مصر الاول والاكبر، فتعتبر مقصداً سياحياً مهماً لعشاق سياحة السباحة، ومشاهدة الآثار، وزيارة المتاحف ، كما تمثل مركزاً دينياً ومزاراً دينياً صوفياً لكثير من المسلمين، وتحتوي أعرق كنيسة قبطية للمسيحيين. كما تمثل مركزاً اكاديمياً يحتضن أعرق الجامعات المصرية وهي جامعة الاسكندرية. 
الحواجز الخرصانية لحماية شط المدينة عبر تكسير اندفاع امواج  البحر