أعتبر نفسي من عشاق البحر . ربما تفتحت عيناي عليه، أي نشأت بالقرب منه علي ساحل البحر الاحمر، كما عملت لفترة من حياتي في أنشطة
مرتبطة به حيث سبحت فيه عائماً وغاطساً، كما تجولت فيه سائحاً وصياداً . عندما أنظر
لزرقة البحر المترامية، أشعر بتسرب كل همومي إليه، وهو إحساس لا يضاهيه اي إحساس آخر
من حيث فوائده في تساقط الآلام وذوبان الهموم التي تستغرق كل تفكيرنا وتسبب لنا
الكدر والأمراض. يقول علماء الطبيعة ان اللون الازرق الذي نشاهده على البحر هو ليس الا
لون السماء المنعكس في ماء البحر ويظهر لنا بهذا الشكل الأخاذ. هذا اللون من أكثر
الألوان التي تريح الأعصاب ويوصي به في تلوين جدران المنازل الداخلية للحصول على إحساس الراحة النفسية.
هناك أوقات محددة في اليوم يزداد فيها البحر ألقاً
وجاذبية. عند الصبح في الوقت الذي تترائي فيه الشمس وهي تصعد بهدوء متثاقل في
رحلتها الأبدية من الشرق الي الغرب . في هذه اللحظات، تحيط الشمس نفسها بلهيب أحمر يحمل لون الجمر، وهو ذات
اللهيب الذي يلفها وهي تعلن إنتهاء اليوم في لحظات الغروب وكأنها تلفت إنتباهنا
ببداية اليوم وإعلان انتهائه. رغم فداحة التشبيه هنا، إلا ان منظر الشمس في كلتا الحالتين يكتسب جمالاً
خاصاً يحرص علي تصويره ورصده المصورون والفنانون.
الشمس عند الشروق علي البحر الاحمر |
البحر عالم مليئ بالغرائب والعجائب والاسرار، فهو
يشغل 70% من مساحة الكرة الارضية لدرجة تسمية كوكبنا بلونه اي الكوكب الازرق وهي
التسمية التي يشاركها فيه كوكب بلوتو البعيد . ولعل في ذلك ما يكفي لإحتواء غالب انواع الكائنات. لقد سمعت قصص عديدة من صيادين مسنين يتحدثون عن
رؤيتهم كل يوم نوع جديد من الاحياء البحرية لم يشاهدوه من قبل.
مشهد من البحر الاحمر السوداني |
البحر مدرسة مليئة بالدروس والعبر. كل نوع من أنواع
الأحياء البحرية له مزاجه وطريقته في التعامل. خبرة المتعاملين مع بيئة البحر
تعينهم في التعامل مع كائنات بيئة البر. هناك أنواع تحب الهدوء، وبعضها يتصف
بالحماقة والتهور، وبعضها بالمكر والدهاء. لكل نوع من أنواع الاسماك طريقتها في
حماية نفسها والتصدي لخصومها. الأسماك الصغيرة لها طريقتها في حماية نفسها وكذلك
الاكبر حجماً، ولكل بيئته المفضلة التي يعيش فيها ويحتمي بها. الاسماء الصغيرة
غالبا تسير في مجموعات وبعضها تستوطن الشعاب المرجانية التي تتشابه معها ومنها ما
يستوطن غابات المانجروف . سمك الحبار او الاخطبوط يطلق حول نفسه مادة حبرية لتضليل
المهاجمين وبعض الانواع لها سموم تستخدمها عند الضرورة كما يوجد نوع اخر يستخدم لسعات كهربائية لحماية نفسه.
اسماك القرش تتسم بالسرعة والشراسة وتعبر
بلامنازع ملك البحر ، وهي أنواع تتفاوت في الحدة والخطورة، ولعل أشرسها النمرواي
المنقط ، ومنها صاحب المطرقة الذي يطلق عليه القرنة وهو يتسم بالسرعة ويتحرك بشكل
مائل، وكذلك صاحب المنشار ويوجد ايضاً القرش النوام المسالم. تعيش أسماك القرش
غالباً في المياة العميقة وان كانت بعضها تعيش في المياة الضحلة. ومن حكمة الخالق
يعتبر القرش من النوع الذي يلد ولا يبيض كمعظم أنواع السمك الأمر الذي يؤكد الحكمة
الإلهية التي تضمن بقاء الأنواع وإستمراريتها عبر جعل عنصر الولادة في الأنواع التي
تعتمد في غذائها علي الانواع التي تبيض وتتكاثر بمعدلات أعلي فلو كان مثلاً القرش
من الأنواع التي تبيض لإنقرضت الكانات البحرية الاخري في فترة وجيزة بسبب تزايد
اعداده ، ولله في خلقه شئون.
دورة غذاء الأحياء البحرية هي نفسها نوع آخر
من التوازن ، فالأسماك الصغيرة الأضعف تعتمد في غذائها على الطين والأعشاب البحرية،
فيما تعتمد الأكبر علي الأصغر في سلسلة متتالية. في الغالب تعيش الانواع الصغيرة
منها في الشعاب المرجانية وغابات المانجروف ومناطق القاع التي تتوفر بها الاعشاب فيما
تعيش الأقدر في البيئات العميقة والمفتوحة.
من غرائب حياة البحر هو أن الأحياء البحرية
لا تنام فهي في حركة دائمة لا تعرف الهدوء والسكون عكس مخلوقات البر التي تركن الي
النوم والراحة في بعض الاوقات.
الأمر الآخر الغريب ان الأسماك في الغالب
الأعم ليس لها عاطفة الامومة ولا تعيش روح الاسرة التي تظهر بشكل واضح في كل
كائنات البر التي تحرص كل الحرص علي صغارها. لعل الإستثناء في كائنات البحر في بعض
انواع الثدييات مثل الدلافين وبقرة البحر او ناقة البحر حيث تجد هذه الانواع تعيش
في مجموعات اسرية فيها الاب والام والصغير.
من الأمور الغريبة في حياة كائنات البحر ،
هو عدم وضوح النوع الجنسي اي الذكر والانثي لعدم وجود أعضاء تناسلية كما هو الحال
في كائنات البر . في موسم التوالد تتجمع كل قبيلة من أنواع الاسماك وتسير لفترات
محددة في مجموعات قبل تفرقها، وهي الفترة التي يحدث فيها التوالد ولكن كيف تتم
عملية الإتصال الجنسي بينهم فهو سؤال قد يجد الإجابة من المختصين . علي ما يبدو أن
الاتصال يتم بشحنات او بطريقة اشبه بطريقة تلقيح النخل اي بالنثر والتشتيت . الأمر
الطريف في موضوع التكاثر هو ان كل الاسماك
تساهم في عملية التناسل بغض النظر عن اعمارها وأحجامها ، فالاسماك الاكبر تلد
كميات اكبر من البيض بينما تبيض الاصغر كميات قدر حجمها ولكن الكل مساهم في
العملية حسب إستطاعته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
مرسى الصيادين في سواكن بالسودان |