نسأل الله ان يتقبل عمنا وأخونا حسين محمد
موسي أوليت ( الظاهر في شمال الصورة اعلاه) في أعلى جنانه، وأن يجعل البركة في ذريته. لقد كان صوتاً للحكمة والإتزان
والرأي السديد. ترجع معرفتي بالراحل المقيم لفترة عملي بمنظمة الساحل البريطانية
ونشاطي في جمعية تنمية أربعات. وقد تطورت هذه العلاقة المهنية بين موظف وقائد
مجتمعي الى صداقة ومودة. كنت أجد فيه حكمة شيخ العرب (البجاوي) في الصبر، وضبط الكلام،
وتحاشي المواقف الحادة ، كما كنت أجد فيه ذكاء ولد المدينة، ونباهة رجال السوق. عندما
تجمعنا إجتماعات لجان المجتمع بأربعات، كنت أنتظر بإهتمام تعليقاته ووجهات نظره لا
سيما عندما يحتد النقاش في بعض المسائل. رغم أنني لم أعرف له نشاطاً سياسياً إلا إنه
كان مدركاً لقضايا البلاد وتعقيدات السياسة. أذكر ذات مرة في يوم من أيام العام
2005 بعد توقيع إتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية، و كنا مجموعة في
جلسة ونسة عادية، وقد دخلت السياسة لنقاشنا كحال أغلب ونسات السودانيين وتطرقنا
لقضية مستقبل السودان بعد الإتفاق والتحديات والمخاطر التي تواجهه، لا سيما وان
مديننتا نفسها كانت تمور بأحداث أعقبت إتفاق نيفاشا وراح ضحيتها نفر من الأبرياء. بعد
إستماع طويل، وجه لنا سؤالاً مباشراً، هل تعرفون ما هو الشيء الذي سيتسبب في ضياع السودان ؟ وتبارينا في تعداد المخاطر المحتملة
ومنها إنهيار الشراكة بين الحكومة والحركة الشعبية ودخول الطرفين في صراع دموي، وتدخل
القوي العظمي و توسع دائرة تمرد دارفور، فقال
لنا إن كل ذلك سوف لن يحدث، سوف لن تنهار الشراكة، ولن تتسع دائرة نشاط المتمردين،
ولن تتدخل القوي العظمى، فسألناه إذن ماهي تلك المصيبة المحتملة التي ستضيع بسببها
بلادنا، فقال الكذب وكررها قائلاً: (الكل
يكذب على الكل، المسؤول يكذب على المواطن، والمواطن يكذب على المسؤول، السوق مليء بكذابين
). كان تعليقه غريباً و مفاجئا لنا. شخصياً لفت ذلك التعليق نظري لقضية مهمة جداً
وهي دور الخطايا المعنوية في إنهيار النظم السياسية، فالناس دائما يهتمون بالجوانب
المادية في تحليل الأزمات، ويتناسون الجوانب المعنوية التي تتسبب في تكوين الأزمات
وتكون وقوداً لها في مسار تطورها. أخذت تعليقه بكل جدية ومن حينها أصبحت أهتم بالأثر
السالب لعادة الكذب علي الحياة العامة و البنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي
والثقافي للدولة لا سيما وان هذه الخطيئة التي تقف على رأس كل خطيئة كما يقولون ،أخذت
في وقتنا هذا منحىً مؤسسياً نشاهده في القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي
والإشاعات. تكمن خطورة الكذب في حقيقة ولادته عن مشاعر سيئة كما تتولد منه هو الآخر
سلوكيات وأخلاق ذميمة اخرى حيث يرتبط به الخوف، و الأنانية، والفساد وغيرها من الصفات
والممارسات السيئة.
أقدم تعازيي لكل أهل الوادي المبارك ( أربعات)
في فقدهم الكبير وبالأخص في أربعات المياه وأهلنا السعيداب وعموم الحامداب
والقويلي، مع التذكير لنفسي ولهم بضرورة الحرص على القيم والأخلاق التي تحلي بها
الأخ حسين أوليت وأولها الصدق والإخلاص وإصلاح ذات البين. لقد ظلت أربعات ترفد المدينة الثانية للبلاد
بمياه الشرب لفترة تجاوزت القرن وهي فترة عمر هذه المدينة، في مشهد من مشاهد
معجزات الخالق في أرضه حيث تخرج المياه الصالحة للشرب من بين الصخور في منطقة
صحراوية ضمن إقليم البحر الاحمر الأوسط المتسم بالحرارة والجفاف. إذا كانت أربعات
ظلت تقدم إكسير الحياه لمدينة بورتسودان فمن باب أولي أن تقدم لها ايضاً الرجال
الحكماء من شاكلة الأخ حسين أوليت. نسال الله له الرحمة والقبول والجنة.
عمر شريف
الخرطوم 5 يونيو 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق