هناك مقولة بجاوية تقول لكل قبيلة مميزها (
قبيلتاكا ناتو تبريي) ، بمعني ان اي نوع من البشر لهم مزاياهم الحسنة. وليس هنا
المقصود الميزة الشكلية التي تميز ملامحهم عن الآخرين لكن المهارات والصفات الإيجابية
مثل الصبر، والفصاحة، والشجاعة، او المهارات الصناعية اليدوية او القدرات الذهنية .
أتذكر دوماً مدلولات هذه المقولة عند الإحتكاك مع الآخرين، وقد سنحت لي الحياة التفاعل
مع شعوب وقوميات أخرى من مناطق مختلفة من العالم ورؤية ثقافات أخرى. أركز في
مشاهداتي دوماً على الجوانب الإيجابية في ثقافة اي مجموعة بشرية او شعب وأجدها
دوما كثيرة و جميلة وتتسع دائرة هذه المميزات في نظري كلما بذلت مجهوداً اكثر في
التعرف على هذه الجوانب. بالطبع قد تكون هناك صفات سيئة او على الأقل غير مستساغة
من جانبنا وهكذا طبيعة البشر الذين خلقهم الله ليكونوا دون درجة الكمال. قد نكتشف
الصفات الجميلة من الوهلة الاولى او قد ندركها من خلال المعاملة، وقد تظهر هذه
المزايا من خلال الإهتمامات التي يظهرونها، او القيم التي يتمسكون بها. هذه النقاط
الإيجابية هي الأسس التي قامت عليها نجاحات هذه الشعوب سواء في الحرب والسلام، او
الفن والثقافة، او الصناعة والتجارة، فكل قصة نجاح لدولة محدد يبررها كم هائل من
الصفات الراسخة في سلوك شعب ذلك البلد ولا يمكن تحليل التنمية دون إدراك عميق لهذه
الإعتبارات الثقافية والإجتماعية. بعض
الشعوب ناجحة جداً في خلق المعجزات الإقتصادية إلا انها أضعف عندما يتعلق الأمر
بالنجاح السياسي او الثقافي والفني والعكس ايضاً صحيح. بعض الشعوب تتمتع بحس فني
وذوق رفيع يؤهلها للتطور في مجالات مهمة مثل السياحة والتطور المعماري. الزائر
لايطاليا يلاحظ حجم التراث الهندسي المعماري الأمر الذي يؤكد أن شعب هذا البلد
لديه قدرة غير عادية في أعمال البناء والإعمار. سمعت الكثير الذي يمجد الصناعات
اليدوية في آسيا الوسطى وايران مثل صناعة السجاد الفارسي المشهور، فصناعة بهذا
الشكل تحتاج قدراً كبيراً من الحس الفني والصبر والإبداع، وهي تتوفر في شعوب هذه
الدول. هناك شعوب مشهورة بمهارة القتال وهي ايضاً ميزة رغم قساوتها فالشجعان هم
الذين يصنعون التاريخ ويحافظون على بلدانهم. بعض الشعوب تتمتع بمقدرات غير عادية
في التصنيع والإنتاج وبعضها معروفة بالإنضباط والصدق والتفاني في العمل وهي صفات
مطلوبة في كل فصول الحياة لا سيما في الإقتصاد والصناعة ونموذج لشعب تمكن عبر هذه
الصفات في تحقيق معجزة إقتصادية جبارة هو الشعب الألماني. كما تمكن شعب اليابان من
خلق معجرة صناعية ونجاح علمي وإقتصادي
باهر في بلد ضيق المساحة لا يكاد يستوعب ساكنيه وهو بلد شبه معدم من الموارد
الطبيعية لكن نجح في تحقيق نجاحات ثابتة تؤهله للعب دور إقليمي ودولي . لتفسير هذه
النجاح، يجب الرجوع الي صفات هذا الشعب وطريقة تفكيره. عند اللقاء باي شخص من
اليابان تلاحظ رسوخ التواضع في التعامل ، فالياباني انسان يظهر تقدير كبير للاخر، ويتمتع
بدرجة غير عادية من الإنضباط المهني وهو أحد أسباب النجاح المؤسسي والاقتصادي في
البلاد. بنيت الثقافة السياسية لشعب اليابان على إحترام وتوقير الطبقة الحاكمة (
الأسرة الإمبراطورية) لدرجة يصل فيها هذا التوقير لدرجة أشبه بالعبادة، وهو بالطبع
وضع غير طبيعي لكن من إيجابيات هذا الوضع إشاعة الرضا تجاه الحكومة، وتقبل
قراراتها بغض النظر عن آثارها. فالشعوب التي تربت على هذا النوع من الثقافة
السياسية رغم أنها تظهر في ثياب الشعوب غير المهيئة لممارسة الديمقراطية لكن في
الواقع أثبتت انها الأكثر قدرة على معايشة الديمقراطية وتطويرها في إطار من إحترام
القانون وفصل الخيوط الرفيعة التي تفرق بين ممارسة حق التعبير والتعدي على الآخرين
وممارسة التظاهر السلمي والفوضى، وينطبق ذات التوصيف على الشعوب ذات الثقافة
العسكرية. هناك بعض الشعوب لديها قدرة كبيرة على الانفتاح على الآخر والتسامح مع
الثقافات الأخرى ويسمح لها ذلك بالطبع تحقيق النجاحات عبر الإستفادة من قدرات وإمكانات
الآخرين وهي درجة عالية من الرقي ويمكن تفسير النجاح الأمريكي عبر هذا الجانب. ففي
امريكا وجدت كل الأجناس الفرصة في العيش المشترك والعمل والإنتاج وتحققت حضارة
عالمية ثقافياً وعرقياً وإقتصادياً حملت ملامح الإخلاص المهني للالمان واليابانيين
والحكمة البريطانية والذكاء الإجتماعي والثقافي والتجاري للهولنديين والطليان
والأسبان والفرنسيس والمهارات اليدوية الافريقية.
هناك
سؤال يفرض نفسه على كل من يرغب في تحليل صفات الشعوب ودورها في تحقيق الإنجازات
السياسية والإقتصادية . وهو السؤال المتعلق
بسر نجاح البريطانيين في تكوين إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وكيف تمكنوا
من إدارة شعوب مختلفة عنهم في كل أصقاع الأرض. بالطبع ذلك يحتاج الى قدر من
التحليل الموسع والمعمق. فلا يمكن تصور تحقيق ذلك الإنجار دون توفر قدر من الإصرار
والشجاعة المرتبط بالحكمة والصبر. في صغري تعرضت لسماع مواقف متناقضة تجاه الإستعمار
البريطاني لبلادي بين المدرسة والمجتمع. ففي المدرسة كنت أسمع لأساتذة التاريخ
الذين يصفون الإستعمار البريطاني بكل صفات الشناعة في الوقت الذي أسمع من كبار
المجتمع الذين عاصروا فترة الاستعمار
رأياً مغايراً لذلك حيث كانوا لا يذكرون الإنجليز إلا مع صفات كلها جمال مثل التواضع، والصدق، والعدل والشجاعة. فيما بعد، تعرفت كنه الفرق بين الموقفين ودوافعه، فالمواطن البسيط تجذبه في المقام الاول المعاملة الحسنة والسلوك القويم والإحترام. كانت القلة القليلة جداً من البريطانيين الذين حكموا البلاد تحرص على بعض السلوكيات المهمة منها إحترام الثقافات المحلية، وتقليل الإحتكاك مع المجتمعات حيث تركوا مهام الإدارة المباشرة للمصريين والسودانيين وزعماء القبائل. كما نجحوا في بناء أسس لدولة عصرية في فترة كانت البلاد في أوج الحاجة لذلك بعد خروجها من فترة فوضى ومجاعة كارثية. ومن الطبيعي أن يجد ذلك الإحترام والتقدير من قبل هذه المجتمعات التي تلمست بعض الرفاهية والنظام والدولة المدنية. عند التعامل مع الإنسان البريطاني تلاحظ الهدوء والتفكير المرتب والدقة في التعبير.
رأياً مغايراً لذلك حيث كانوا لا يذكرون الإنجليز إلا مع صفات كلها جمال مثل التواضع، والصدق، والعدل والشجاعة. فيما بعد، تعرفت كنه الفرق بين الموقفين ودوافعه، فالمواطن البسيط تجذبه في المقام الاول المعاملة الحسنة والسلوك القويم والإحترام. كانت القلة القليلة جداً من البريطانيين الذين حكموا البلاد تحرص على بعض السلوكيات المهمة منها إحترام الثقافات المحلية، وتقليل الإحتكاك مع المجتمعات حيث تركوا مهام الإدارة المباشرة للمصريين والسودانيين وزعماء القبائل. كما نجحوا في بناء أسس لدولة عصرية في فترة كانت البلاد في أوج الحاجة لذلك بعد خروجها من فترة فوضى ومجاعة كارثية. ومن الطبيعي أن يجد ذلك الإحترام والتقدير من قبل هذه المجتمعات التي تلمست بعض الرفاهية والنظام والدولة المدنية. عند التعامل مع الإنسان البريطاني تلاحظ الهدوء والتفكير المرتب والدقة في التعبير.
لقد قضيت سنوات قليلة في النمسا، ولا اخفي
انبهاري برسوخ بعض القيم في الشخصية النمساوية. من هذه القيم التهذيب والإنضباط
والنزاهة، فالإنسان النمساوي غاية في التهذيب لدرجة لا تجد شخصاً يأخذه الفضول على
التطفل على الآخرين او يسيء التصرف او يعتدي على الآخرين سواء في الشارع او العمل
او السكن. قد يتهم البعض المجتمع النمساوي بالإنغلاق او البرود الاجتماعي إلا ان
ذلك وصف غير دقيق نابع عن قراءة سطحية لسلوكيات هذا المجتمع الراقي. في شوارع المدن النمساوية لا تجد ما يعكر صفوك
صوتاً او فعلاً كما تلاحظ إنخفاض معدلات الجريمة بشكل كبير. توجد طريقة طريفة لبيع
الصحف اليومية عبر توزيعها في حقائب بلاستيكية على أعمدة الإنارة في الأحياء حيث يأخذ
المشتري الصحيفة ويضع المبلغ داخل الكيس وياتي موزع الجريدة لياخذ حصيلة اليوم
ويضع صحف اليوم التالي في ذات المكان. السؤال ليس هناك من تحدثه نفسه أصلاً في
التعدي على هذه الأموال المتاحة في قارعة الطريق. هذا الإنضباط من المؤكد ان لاتجد
له مثيل في مناطق اخرى من العالم.
في نهاية المقال يمكن القول ليس هناك إنسان
غير مفيد، فلكل ميزته التي تميزه عن الآخرين، وتظل هذه الميزة ضرورية مهمة وبإمكانها
خلق نجاح وأن الحكمة تقتضي أن يحترم البشر بعضهم البعض ويبنوا حياتهم على التشارك
والتعاون لانهم يكملون نواقص بعضهم.
هناك تعليقان (2):
سلمت يداك وقلمك يا أستاذ عمر .
الحقيقه أنك تطرقت لمبحث إنساني مهم يجب الإهتمام به وإثراءه . وخصوصا في تلك الظروف الإنسانيه البائسة التي يعيشها إنسان الشرق في السودان . أود أن تسمحو لي بنشر مقالكم المفيد في صفحتي على الفيسبوك ومدونتي مع نبذه مختصرة عن شخصكم الجليل .
وذلك أنني أعمل على نقل الأفكار الجامعة والبناءة ونشر المفيد في تلكم الأيام الصعبه وأنتم أدرى وأعرف بما يحدث في شرقنا الحبيب .
تقبلو تحياتي
معاويه عجيل
من القضارف
مقيم في المانيا
لك كل الشكر اخي معاوية على مرورك وعلى تعليقك. هي خواطر نكتبها وننشرها لاطلاع الاخرين في الشبكة الالكترونية. بالطبع نشعر بعميق الاسى والحزن تجاه الطاقات المهدرة ببلادنا وفي شرقنا الحبيب والتي تبذل في الباطل الذي لا يفيد وفي الصراعات التي يمكن تفاديها. بالطبع بامكانك باستخدام هذه المادة واي مادة منشورة هنا. اسف على الرد المتاخر بسبب مصاعب تقنية مرت بها المدونة. تحياتي وتقديري.
إرسال تعليق