السبت، 4 يوليو 2015

أيام في الدوحة



هناك بلاد تأسرك بمجرد سماع اسمها. ولعل مدينة الدوحة القطرية هي واحدة منها. لكلمة الدوحة مدلولاتها اللغوية، وهي تعني في قاموس العربية المنطقة الظليلة، ولكل من اسمه نصيب، فهي كذلك دوحة يستظل بظلها الكثيرين. سألت احد القطريين الذين التقيت بهم ايهما تحبذ لقباً لمدينتك، دوحة الخير ام دوحة العرب؟ فاجابني كلها جيدة فقلت له انني احبذ تسميتها بدوحة الخير لانني اري خيرها يمتد الي ابعد من العرب ، ففي اي مكان تجد اشخاص من جنسيات مختلفة خصوصا من الدول الاسيوية والهنود بشكل خاص لدرجة سمعت من احد سائقي التاكسي الفلبينيين انه وفق الاحصاء السكاني ان الوافدين الهنود اكثر من المواطنين القطريين أنفسهم. بغض النظر عن صحة المعلومة الا انه من السهل تلمس ذلك من خلال الوجود البشري في الشارع العام.
سبق ان زرت الدوحة تحديداً في العام 2006، وفي زيارتي الأخيرة في العام الحالي وجدت تغيراً واضحاً للعيان . لاحظته من المطار حيث كان يسمي بمطار الدوحة الدولي فيما تم تحديثه وتوسعته لاستيعاب حركة الملاحة المتزايدة وتمت تسميته مطار حمد الدولي الذي تم افتتاحة في العام 2014 . أضيفت الكثير من المباني والتسهيلات يمكن ملاحظتها في كل ردهات المطار وصالاته حيث اضحي يماثل أكبر وأضخم المطارات العالمية من حيث السعة والخدمات، وهو تطور يتناسب مع الحركة الكبيرة للخطوط الجوية القطرية التي تتحرك رحلاتها جيئةً وذهاباً من كل مكان في العالم الي الدوحة التي اصبحت بفضل هذه الشركة من أهم المحاور الكونية للمسافرين عبر القارات.

المدينة تعطيك إنطباع أنها تحت البناء حيث تجد أعمال البناء والعمران في كل المناطق حيث تلاحظ عمال البناء الآسيويين يعملون بكل همة ونشاط في الطرق وبقية الإنشاءات. وقد لاحظت ذلك في منطقة الدفنة التي قضيت فيها معظم أيامي بالمدينة، وهي المنطقة التي توجد بها الوزارات والفنادق الرئيسية المشهورة مثل شيراتون الدوحة الذي كنا نري صورته في المجلات العربية بشكل بناءه المميز واتيحت لي فرصة مشاهدته علي الواقع. وهناك مشروعات قيد الدراسة والانشاء والتي سيكون لها تاثيرا كبيرا علي الحياة في المدينة منها مشروع مترو انفاق الدوحة الذي من المتوقع ان يتم تنفيذه قريباً.
إهتمام قطر بمجالات التعليم والتأهيل بادياً للعيان من خلال المؤسسات التعليمية التي تزخر بها الدوحة . في منطقة مؤسسة قطر التعليمية تجد عدداً من فروع الجامعات العالمية مثل جامعة جورج تاون الامريكية ويتم تقديم الخدمة التعليمية وفق مناهج وادوات التعليم المستخدمة في هذه الجامعات.
كما تلاحظ في الدوحة، كثرة إنعقاد المؤتمرات والاحداث العالمية المتعلقة منها بالمسائل السياسية والثقافية والرياضية . في المجال الرياضي إستضافت الدوحة عدد من الفعاليات الاقليمية والدولية وتستعد الي استضافة بطولة كاس العالم في 2022 وهكذا في المجالات الاخري. ويتم تهيئة البنيات الاساسية لهذه الفعاليات وقد تم مؤخراً إفتتاح مركز قطر الوطني للمؤتمرات، وهو يمثل آخر التقليعات الدولية في مجال مراكز المؤتمرات الدولية ،فالمبني مميز وضخم يحظي بكل التسهيلات المطلوبة لإستضافة المؤتمرات الدولية، وروعيت في بناءه معايير السلامة والأمن والمتطلبات البيئية حيث يتم توفير جزء كبير من الطاقة المستخدمة فيه عبر الطاقة الشمسية.

قطر هي الدوحة ، عبارة سمعتها أكثر من مرة في إشارة الي انها مركز الثقل السياسي والاقتصادي ، وهي إشارة طبيعية في بلد صغير المساحة مثل قطر حيث تمثل العواصم خصوصاً عندما تصبح ذات العاصمة هي الميناء الرئيس للبلاد كما هو الحال في الدوحة. لكن سمعت من البعض ان السلطات القطرية في إطار خطتها الإستراتيجية تعمل علي خلق مراكز حضرية مناظره للدوحة في المناطق الاخري في توجه يرمي الي إعادة توزيع السكان والخدمات بشكل يساهم في تخفيف الضغط علي الدوحة وتطوير المناطق الاخري. الأخوة الذين التقيت بهم ذكروا أن الاستراتيجية القطرية يتم تنفيذها بدرجة عالية من الدقة والمتابعة، وعلي ضوء المعطيات الماثلة فإنها من المؤكد ستحقق نجاحات ملموسة بنهاية امدها الذي ينقضي في العام 2030 .

 

عندما تُذكر قطر يُذكر الغاز الطبيعي الذي تتصدر قائمة مصدريه كما تمثل المرتبة الثالثة في الإحتياطات المكتشفة منه بعد الاتحاد الروسي وايران التي تشاركها أحدا هم حقول الغاز في العالم وهو حقل الشمال في الخليج العربي. الكثير من الثروة القطرية يرجع الي مواردها الطبيعية ولاسيما الغاز والنفط. غير انه لا يمكن اغفال حقيقة اخري وهي نجاح القيادة القطرية في الإدارة والدبلوماسية، مما مكنها من الصعود ببلادها من إمارة فقيرة الي مركز تجاري وسياسي دولي واقليمي  والي دولة تمثل الأعلي في مستوي دخل الفرد في العالم. هذه المهمة لم تكن سهلة ويسيرة في منطقة تعاني الكثير من التناقضات و في عالم يشهد العديد من التفاعلات المتسارعة .
السياسة القطرية تتسم بالديناميكية والحراك والجرأة. مؤخراً إنتقلت السلطة الي جيل شاب من القادة، الي أمير في بداية الثلاثينيات من عمره ورئيس وزراء من ذات الفئة العمرية، وهو توجه جديد غير مألوف في السياسة وتقاليد الحكم العربية التي تفضل التمسك بالقيادات المعمرة بحجة الخبرة والحكمة والمحافظة علي الاستقرار. وتمثل هذه الخطوة تحدياً يلقي بعبء الي جيل القادة القطريين الذين يمثلون شباب العرب في القيادة فنجاحهم يعني قدرة الشباب في الحكم وفشلهم قد يفسر علي ذات الطريقة.   

في الدوحة تلاحظ صور وإعلانات المرشحين للنتخابات المحلية وهو مؤشر عافية للديمقراطية القطرية ، إالتي نتمني لها التوفيق والإستدامة، وهي تخطو خطوات ثابتة في تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد. 


أود بهذه المناسبة تسجيل تقديري لكل الأخوة بقطر الذي قضيت معهم أيام جميلة وبالاخص المجتمع السوداني الذي يمثل حضوراً حياً وانيقاً في المدينة حيث تجدهم في أي موقع يقدمون صورة جميلة عن بلاد النيل والبحر والغابة والصحراء واهلها الطيبيين وأخص بالتحية أخي مجاهد الذي أصر علي عزومتي علي قهوة كسلاوية في مطعم الخرطوم ، وأخي احمد الذي كان له الفضل في تقديم الكثير من التسهيلات ، فالشكر والتحية لهما ولبقية الأخوة الآخرين وبعضهم لم اتمكن من اللقاء بهم نسبة لضغط برنامجي وقصر الفترة الزمنية التي قضيتها بالمدينة وأرجو ان تتكرر الزيارات، ويمد الله في الآجال ويمنحنا الصحة والتوفيق. 

    

ليست هناك تعليقات: