الخميس، 27 أغسطس 2015

لماذا تتقدم بعض الشعوب وتتأخر اخرى؟



 لا اعتقد انني الاول الذي طرح علي نفسه هذا السؤال لنفسه او لغيره. فالامر يطرح اسئلة فرعية مستمرة علي عقولنا واحيانا نعجز في ان نجد الاجابة المقنعة لهذه الاسئلة.
هل العزلة تؤدي الي التقدم الاقتصادي ؟
هل الانفتاح هو الاساس لذلك ؟
 هل الموارد الطبيعية هي محور المسألة ام جودة الموارد البشرية؟
هل الأمر مرتبط بنجاح السياسة والنظام السياسي وتوفر عنصر القيم والثقافة السياسية الراشدة؟
هل الأمر يرتبط بإنضباط الشعوب والافراد وتقديرهم للسلطة والقانون ؟
ماذا عن سياسات التربية والتنشئة ونوعيتها ؟
مثلاً ما هو السر وراء تمكن البريطانيين من إنشاء إمبراطورية عظيمة لا تغرب عنها الشمس وهم شعب صغير يعيش في ثلاث جزر متجاورات؟ هل ثقافتهم البحرية وامتلاكهم الاساطيل هو السبب الذي مكنهم من نقل الجنود والبضائع الي العالم ام هو طموح الملوك وعقيدة الولاء التقليدي للأسرة المالكة هي التي حفزت الشعب البريطاني الي تحمل الطموحات التوسعية حول العالم؟  . البريطاني علي المستوي الشخصي لا يمكن وصفه بالانفتاح المطلق ففى معظم االبلدان التي حكموها كانوا قليلو الاحتكاك المباشر بالشعوب وانتهجوا وسائل لذلك ولكن بذات القدر كانوا شديدو التأثير ؟ هل العزلة منحتهم قوة؟ ذهب البريطانيون من بلادنا التي حكموها مستعمرين قبل عقود ولكن لازال الكبار يذكرونهم بالخير. في الهند تمكن عدد قليل من الانجليز من إدارة دولة ملايينية تحمل في طياتها تناقضات ثقافية فوق حد الوصف والتصور في حالة اشبه بالطفل الصغير الذي يقود جمل ان جاز التشبيه.
ما هو السر وراء التفوق الياباني في الإقتصاد والتجارة والصناعة في بلد جزري يفتقد الموارد الطبيعية؟ هل السر هو قدراتهم البحرية التاريخية التي حملتهم الي الخارج وحملت بضائع الخارج اليهم ام السر هو تراثهم الامبراطوري وتقديسهم للحكومة ؟ هل سر النجاح هو التواضع الشخصي للانسان الياباني؟
ما هو السر في نجاح الفرد الهندي في مجال الاعمال والادارة؟ هل هو التركيز والتخصصية والانضباط والتواضع الشخصي؟
لماذا نجح الالمان واليابانيين والطليان من تحويل فشلهم العسكري والسياسي في معركة الحرب الكونية الثانية الي نجاح منقطع النظير في المجال الصناعي والاقتصادي؟ هل السر في التحدي ام في جودة نظم الإدارة وإنضباط الفرد؟

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

صور من أسرار البحر وغرائبه


أعتبر نفسي من عشاق البحر . ربما تفتحت عيناي عليه، أي نشأت بالقرب منه علي ساحل البحر الاحمر، كما عملت لفترة من حياتي في أنشطة مرتبطة به حيث سبحت فيه عائماً وغاطساً، كما تجولت فيه سائحاً وصياداً . عندما أنظر لزرقة البحر المترامية، أشعر بتسرب كل همومي إليه، وهو إحساس لا يضاهيه اي إحساس آخر من حيث فوائده في تساقط الآلام وذوبان الهموم التي تستغرق كل تفكيرنا وتسبب لنا الكدر والأمراض. يقول علماء الطبيعة ان اللون الازرق الذي نشاهده على البحر هو ليس الا لون السماء المنعكس في ماء البحر ويظهر لنا بهذا الشكل الأخاذ. هذا اللون من أكثر الألوان التي تريح الأعصاب ويوصي به في تلوين جدران المنازل الداخلية للحصول على إحساس الراحة النفسية. 
 هناك أوقات  محددة في اليوم يزداد فيها البحر ألقاً وجاذبية. عند الصبح في الوقت الذي تترائي فيه الشمس وهي تصعد بهدوء متثاقل في رحلتها الأبدية من الشرق الي الغرب . في هذه اللحظات،  تحيط  الشمس نفسها بلهيب أحمر يحمل لون الجمر، وهو ذات اللهيب الذي يلفها وهي تعلن إنتهاء اليوم في لحظات الغروب وكأنها تلفت إنتباهنا ببداية اليوم وإعلان انتهائه. رغم فداحة التشبيه هنا،  إلا ان منظر الشمس في كلتا الحالتين يكتسب جمالاً خاصاً يحرص علي تصويره ورصده المصورون والفنانون.


الشمس عند الشروق علي البحر الاحمر

البحر عالم مليئ بالغرائب والعجائب والاسرار، فهو يشغل 70% من مساحة الكرة الارضية لدرجة تسمية كوكبنا بلونه اي الكوكب الازرق وهي التسمية التي يشاركها فيه كوكب بلوتو البعيد . ولعل في ذلك  ما يكفي لإحتواء غالب انواع الكائنات.  لقد سمعت قصص عديدة من صيادين مسنين يتحدثون عن رؤيتهم كل يوم نوع جديد من الاحياء البحرية لم يشاهدوه من قبل. 
مشهد من البحر الاحمر السوداني

البحر مدرسة مليئة بالدروس والعبر. كل نوع من أنواع الأحياء البحرية له مزاجه وطريقته في التعامل. خبرة المتعاملين مع بيئة البحر تعينهم في التعامل مع كائنات بيئة البر. هناك أنواع تحب الهدوء، وبعضها يتصف بالحماقة والتهور، وبعضها بالمكر والدهاء. لكل نوع من أنواع الاسماك طريقتها في حماية نفسها والتصدي لخصومها. الأسماك الصغيرة لها طريقتها في حماية نفسها وكذلك الاكبر حجماً، ولكل بيئته المفضلة التي يعيش فيها ويحتمي بها. الاسماء الصغيرة غالبا تسير في مجموعات وبعضها تستوطن الشعاب المرجانية التي تتشابه معها ومنها ما يستوطن غابات المانجروف . سمك الحبار او الاخطبوط يطلق حول نفسه مادة حبرية لتضليل المهاجمين وبعض الانواع لها سموم تستخدمها عند الضرورة  كما يوجد نوع اخر يستخدم  لسعات كهربائية لحماية نفسه.   


اسماك القرش تتسم بالسرعة والشراسة وتعبر بلامنازع ملك البحر ، وهي أنواع تتفاوت في الحدة والخطورة، ولعل أشرسها النمرواي المنقط ، ومنها صاحب المطرقة الذي يطلق عليه القرنة وهو يتسم بالسرعة ويتحرك بشكل مائل، وكذلك صاحب المنشار ويوجد ايضاً القرش النوام المسالم. تعيش أسماك القرش غالباً في المياة العميقة وان كانت بعضها تعيش في المياة الضحلة. ومن حكمة الخالق يعتبر القرش من النوع الذي يلد ولا يبيض كمعظم أنواع السمك الأمر الذي يؤكد الحكمة الإلهية التي تضمن بقاء الأنواع وإستمراريتها عبر جعل عنصر الولادة في الأنواع التي تعتمد في غذائها علي الانواع التي تبيض وتتكاثر بمعدلات أعلي فلو كان مثلاً القرش من الأنواع التي تبيض لإنقرضت الكانات البحرية الاخري في فترة وجيزة بسبب تزايد اعداده ، ولله في خلقه شئون.
دورة غذاء الأحياء البحرية هي نفسها نوع آخر من التوازن ، فالأسماك الصغيرة الأضعف تعتمد في غذائها على الطين والأعشاب البحرية، فيما تعتمد الأكبر علي الأصغر في سلسلة متتالية. في الغالب تعيش الانواع الصغيرة منها في الشعاب المرجانية وغابات المانجروف ومناطق القاع التي تتوفر بها الاعشاب فيما تعيش الأقدر في البيئات العميقة والمفتوحة.
من غرائب حياة البحر هو أن الأحياء البحرية لا تنام فهي في حركة دائمة لا تعرف الهدوء والسكون عكس مخلوقات البر التي تركن الي النوم والراحة في بعض الاوقات.
الأمر الآخر الغريب ان الأسماك في الغالب الأعم ليس لها عاطفة الامومة ولا تعيش روح الاسرة التي تظهر بشكل واضح في كل كائنات البر التي تحرص كل الحرص علي صغارها. لعل الإستثناء في كائنات البحر في بعض انواع الثدييات مثل الدلافين وبقرة البحر او ناقة البحر حيث تجد هذه الانواع تعيش في مجموعات اسرية فيها الاب والام والصغير.
من الأمور الغريبة في حياة كائنات البحر ، هو عدم وضوح النوع الجنسي اي الذكر والانثي لعدم وجود أعضاء تناسلية كما هو الحال في كائنات البر . في موسم التوالد تتجمع كل قبيلة من أنواع الاسماك وتسير لفترات محددة في مجموعات قبل تفرقها، وهي الفترة التي يحدث فيها التوالد ولكن كيف تتم عملية الإتصال الجنسي بينهم فهو سؤال قد يجد الإجابة من المختصين . علي ما يبدو أن الاتصال يتم بشحنات او بطريقة اشبه بطريقة تلقيح النخل اي بالنثر والتشتيت . الأمر الطريف  في موضوع التكاثر هو ان كل الاسماك تساهم في عملية التناسل بغض النظر عن اعمارها وأحجامها ، فالاسماك الاكبر تلد كميات اكبر من البيض بينما تبيض الاصغر كميات قدر حجمها ولكن الكل مساهم في العملية حسب إستطاعته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
مرسى الصيادين في سواكن بالسودان