مدينة أخري أحبها هي الاسكندرية التي تلقب بعروس البحر المتوسط.
يمكنني القول انها من أكثر المدن التي إنفتح لها وجداني ، وشعرت براحة عميقة وانا أقضي
اياماً بين جنباتها ، فاي مكان فيها له نكهته ومذاقة، ففي الساحل الطويل للمدينة
تجد المسابح المفتوحة وامواج البحر التي تغسل شواطئها كل دقيقة وثانية، وفي الأسواق
والمقاهي تجد دفء وطيبة الإنسان الاسكندراني المميز الذي تربي علي مرور العصور علي
احترام الاخرين وادراك قيمة التفاعل معهم .
مراكب الصيادين في الخليج الصغير الذي يفصل القلعة من منطقة المنشية |
في الإسكندرية تلتقي كل تيارات الحضارات الانسانية حيث تجد رائحة
لرياح الحضارة الغربية الاوروبية بكل عنفوانها وجنونها وتألقها وتقدمها، وتجد مناخا
مفعما بالحضارة الاسلامية بكل سماحتها ولطافتها حيث تجد في كل ركن من اركان المدينة مقاماً
لواحد من السادة العارفين كبار الصوفية أولياء الله الصالحين مثل سيدنا المرسي
ابوالعباس الذي ترتبط المدينة بإسمه وسيدي بشر، وسيدي جابر، والعجمي، والشاطبي
الذين تحمل أعرق أحياء المدينة أسمائهم ، وتطول القائمة المقدسة لتشمل ياقوت العرش
والدويداروغيرهم. في الإسكندرية تحملك المتاحف الي فترات سحيقة من التاريخ الإنساني
بدءاً بالفراعنة والفرس ومروراً بالعهد اليوناني ومن ثم كليوباترا والعهد الروماني إنتهاءً بمراحل
التاريخ الاسلامي بكل فصوله بدءاً من الفتح الأول الذي استهدف المدينة باعتبارها
عاصمة مصر ومن ثم العهود اللاحقة ومنها الايوبي والمماليكي والتركي العثماني. خضعت
الاسكندرية لكل انواع الهجمات الخارجية باعتبارها بوابة البلاد نحو العالم فكل
المستعمرين مروا عبرها او بها الي الداخل المصري.
مكتبة الاسكندرية من الخارج في مواجهة البحر |
في وسط سوق المنشية الذي يمثل بمثابة مركز المدينه يواجهك في احدي
جوانبه وهو الجانب البحري نصب الجندي المجهول وفي الجانب الاخر تجد تمثال محمد علي
باشا مؤسس الدولة المصرية الحديثة وهو يمتطي فرسه في تمثال اشبه بتمثال ابنه القائد
ابراهيم باشا في ميدان العتبة بوسط القاهرة. وفي الطريق الرابط بين المنشية ومحطة
الرمل استوقفني اسم شارع النبي دانيال فالاسم غريب بالنسبة لي لاننا لم نعهد هذا
الاسم ضمن اسماء الانبياء الواجب معرفتهم. وقد عرفت انه احد انبياء اليهود، ولاغرو
في ذلك لاننا نعلم ان الانبياء لاحصر لهم ولا يعلمهم الا الله وحده. الظاهرة
الجديرة بالملاحظة وربما الدراسة ايضا في هذا الشارع هو وجود مسجد وكنيسة ومعبد يهودي في شارع واحد،
وهي اماكن للعبادة في الاديان السماوية الثلاث الامر الذي يمنح الشارع والمدينة
ميزة اضافية باعتبارها مسرحا للتسامح الديني والتعايش بين الثقافات. فكثير من
تصرفات الكراهية والعدوانية التي نجدها تتنامي في عالم اليوم لا تتوافق البته مع
التعاليم والاسس الاخلاقية التي تدعو لها كل الاديان وعلي راسها الاديان السماوية .
مكتبة الاسكندرية عالم مليئ بكل كنوز المعرفة من كتب ومخطوطات وصور عن
الاسكندرية وعن كل صنوف المعرفة. وتمثل هذه المكتبة ببنائها المميز احد اهم معالم
المدينة العريقة والمتجددة. في ساحتها الخارجية يوجد تمثال صغير للاسكندر الاكبر
مؤسس المدينة بالاضافة الي
وفي الجانب المقابل للمكتبة، تجد قلعة السلطان قايتباي احد سلاطين المماليك التي
تقف شامخة في مواجهة البحر ، وتحتوي الي غرف للجند وشبابيك صغيرة لاطلاق النيران ،
اما جدارنها فهي سميكة صممت لتمتص صدمات القاذفات النارية. ولعبت القلع دورا كبير
في حماية المدينة من الغزوات الخارجية سواء كانت من العثمانيين او الصليبيين.
والجدير بالذكر ان هذه القلعة بنيت علي انقاض منارة الاسكندرية التاريخية التي
يعدها المؤرخون احدي عجائب الدنيا السبعة.
في الجزء الشرقي من المدينة يقع قصر المنتزه ، الذي يعتبر احدي معالم
الارث الملكي لاسرة محمد علي، فالقصر تحيط به حديقة واسعة تحتوي انواع مختلفة من
الاشجار والنباتات بالاضافة الي مباني السكن . يقع في الجزء الساحلي من القصر فندق
فلسطين الذي شهد الكثير من المؤتمرات التاريخية المهمة.
الإسكندرية مدينة متعددة المهام والادوار فبالاضافة الي انها ميناء
مصر الاول والاكبر، فتعتبر مقصداً سياحياً مهماً لعشاق سياحة السباحة، ومشاهدة الآثار،
وزيارة المتاحف ، كما تمثل مركزاً دينياً ومزاراً دينياً صوفياً لكثير من المسلمين،
وتحتوي أعرق كنيسة قبطية للمسيحيين. كما تمثل مركزاً اكاديمياً يحتضن أعرق
الجامعات المصرية وهي جامعة الاسكندرية.
الحواجز الخرصانية لحماية شط المدينة عبر تكسير اندفاع امواج البحر |