تجد كلمة الفساد حظها الكبير في الأدبيات السياسية والدراسات المتعلقة
بالحكم الرشيد والبحوث الإجتماعية وغيرها. يتفق الكل بأن الفساد شيء سيء، ويتبارون
في إنتقاء الكلمات السيئة لوصف هذه الظاهرة ، فنسمع عبارات من شاكلة آفة الفساد ومرض
الفساد وكارثة الفساد وغول الفساد. في الواقع لا أدرى أي الكلمات هي الأنسب لوصفه.
فالفساد غول لانه يلتهم كل شيء ولا يشبع ( الجدير بالذكر بأن الغول هو حيوان خرافي
يتردد ذكره في الأساطير الشعبية العربية يسكن في الخلاء ويعترض سير المسافرين
ويلتهمهم مع الأشياء التي يحملونها). فالفساد مرض لأنه ينتشر بسرعة، فالفاسدون
يفسدون بعضهم والآخرين، وكثير منهم أفسدوا بفساد البيئة التي يعيشون فيها. فالفساد
ايضاً كارثة لأنه يتسبب في دمار الدول، وفي هز الثقة في مؤسسات الحكم، ويساهم في إساءة
إستغلال السلطات والصلاحيات كأداة للظلم
والإفساد. كما تصح تسميته بإسم الآفة لأنه يفسد الأشياء الأخرى فالآفة تطلق على اي
شيء يسبب كارثة فنسمع آفة الجفاف التي تسبب التصحر والفقر، وآفة الفقر التي تسبب
الجريمة والإنهيار الأخلاقي، وآفة المرض التي تهلك الأبدان وتسبب الموت.
للفساد آثار
ممتدة لا تتوقف عند سقف محدد او في مدي معين. سوف نركز هما علي الأبعاد السياسية
والاقتصادية على المترتبة على الفساد او بالاحري تاثيره على الدولة والنظام وحكم
القانون.
فيما يخص
الآثار السياسية للفساد فهو يتسبب في جملة من الآثار المباشرة وغير المباشرة التي
يمكن إيجازها في الآتي:
1- إرباك عملية البناء
الوطني وإعاقة تغذية روح الإنتماء القومي عبر هز ثقة المجموعات قليلة الحظ من
النفوذ و الفرص في الحصول على الموارد العامة في النظام السياسي وحياد مؤسسات
الحكم. فعبر الفساد، تهيمن مجموعات محددة بخلفيات ثقافية او أثنية او تعليمية او
مهنية محددة على موارد الدولة بأساليب ملتوية تشمل تطويع القوانين لمصالحها، ويترتب
علي ذلك حرمان المجموعات الأخرى من الوصول إلى مراكز النفوذ . بالتالي فأن عملية الفساد
بمجملها تؤدي الي فقدان الإحترام للأجهزة العدلية والإدارية والنيابية بما يقود
الي تصاعد السخط ضدها ومن ثم التمرد
والعصيان والخروج عليها.
2- إفساد العملية الإنتخابية
والتمثيلية النيابية وتشويه الممارسة الديمقراطية عبر عمليات شراء الأصوات
والولاءات بصور غير مشروعة.
من ناحية
الإقتصاد، يتسبب الفساد في جملة من الأضرار منها:
1- تدمير إقتصاديات الدول عبر ضياع وإهدار مواردها
المالية وغير المالية او إساءة إستخدام وإساءة توزيع هذه الموارد او التلاعب بها.
2- تشويه سمعة الدولة
المتهمة بالفساد بين الدول. ويترتب على ذلك حرمانها من فرص التعامل والتعاطي الإيجابي
والدعم من قبل مؤسسات التمويل والهيئات الإقتصادية.
3- هروب الإستثمار
الوطني للخارج وعزوف الإستثمار الأجنبى عن دخول البلاد لإرتفاع تكلفة الإستثمارات
نتيجة الرشوة وإرتفاع المخاطر.
4- إعاقة النمو الطبيعي
للقطاع الخاص الوطني عبر زيادة كلفة العمل وتعطيل فرص المنافسة الحرة والنزيهة علي
أسس الكفاءة وتقديم الخدمات الأفضل . ففي ظل إنتشار ممارسات الفساد يرتبك نمو
القطاع الخاص وتنتشر فيه الممارسات الفاسدة.
5- إستشراء ممارسات تهريب
الموارد المالية للبلد للخارج بغرض إخفائها وإبعادها من الولاية القضائية للدولة
وهي عملية حرمت الكثير من بلدان العالم الثالث من الإستفادة من موارد ضخمة جمدت في
بنوك وملاذات ضريبية في بلدان أخرى،
فوفقاً لبعض التقديرات فإن أموال الرشاوي المهربة من القارة الافريقية
سنوياً لملاذات ضريبية آمنة تصل الى حوالي 30 مليار دولار.
6- توريط المسؤولين للدولة في
عمليات مالية كبيرة ومشروعات غير ضرورية وديون ضخمة مع مؤسسات تمويلية داخلية
وخارجية بغرض الإستفادة من العمولات التي يتحصلون عليها او الإستفادة من الأموال
التي يتم إستلامها عبر عمليات الدين وهدر الموارد في تنفيذ مشروعات ضخمة جديدة او
تجديد إنفاق علي مشروعات فاشلة بغرض الحصول علي مكاسب مالية غير مشروعة.
7- فوضى الأسواق وإرتفاع
أسعار السلع والخدمات نسبة لزيادة تكلفة العمل او المنتجات التجارية نتيجة زيادة
المدفوعات غير المشروعة.
فيما يخص العملية التنموية، فللفساد أضرار
ممتدة منها:
1-
إعاقة وعرقلة التنمية
والنموء و التسبب في إستدامة التخلف الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، وسوء العدالة
في توزيع الدخل، وزيادة معدلات الفقر.
2-
ضياع
كثير من الموارد المالية التي يمكن إستغلالها في عمليات التنمية والترقية الإجتماعية
مثل نشر التعليم، والرعاية الصحية، ومشروعات الدخل . ويمكن أن تضيع هذه الموارد
قبل دخولها للخزينة العامة عبر الفساد والتهرب الضريبي، كما يمكن أن تضيع بعد
دخولها الخزينة العامة بسبب سوء الإستغلال والإختلاس والرشوة.
3-
ترسيخ التفاوت الإجتماعي والطبقي بين فئات المجتمع بسبب عدم المساواة في المعاملة والتسهيلات التي
تجدها مجموعة دون أخرى نسبة لإرتباطات أسرية او عرقبة او طبقية او لقدرتهم علي دفع
الرشوة .
4-
حرمان الكثير من المواطنين لا
سيما من الطبقات الدنيا والفقيرة من الحصول علي حقوقهم بما في ذلك حقهم في الترقي
الإجتماعي والمنافسة علي الوظائف والحصول عليها والترقي الوظيفي في مساراتها،
فالفساد عملية سلوكية تحابي المجموعات الأقوى في المجتمع وتمنحها حقوقاً أضافية
علي حساب المجموعات الأضعف وبالتالي يساهم في تزايد وإستمرار التفاوت الطبقي وما
قد يقود إليه من تحديات قد تهدد السلام الإجتماعي والتعايش.
5-
إحجام الدول والجهات المانحة عن تقديم المعونات والمساعدات التنموية
نتيجة الخوف من إساءة إستغلال الأموال الممنوحة وتحويلها للأغراض الخاصة.
ويتسبب الفساد في عرقلة العمل الإداري
وتطوير كوادره ويتسبب في إعاقة التنمية الإدارية، يمكن تلخيص أهم الأضرار في
النقاط التالية:
1-
عرقلة عمل المؤسسات الحكومية
وأداء مسؤولياتها في إنجاز الوظائف والخدمات .
2-
إضعاف وخلخلة الأجهزة الادارية للدولة وتدجينها حتي لا تتسبب في كبح
جماح الفساد وتحجيمه. وهذا يحدث عندما يتمكن الفساد في عصب النظام السياسي.
3-
بث روح الأنانية وعدم الإخلاص لدي المستخدمين.
4-
تعطيل مشروعات التطوير المهني والاداري في المؤسسات عبر قيام
المسؤولين الفاسدين بمقاومة مطلوبات تطوير النظم القانونية والإدارية بهدف الرغبة
في الحفاظ علي مصالحهم عبر النظم التي تسمح لهم ذلك، وينعكس ذلك سلباً علي النمو
والتطوير المطلوب والأخذ بأسباب التكنولوجيات.
5-
إضعاف الكادر الإداري .
6-
التلاعب
بالقوانين والنظم واللوائح الادارية والتنظيمية والتراخي في تنفيذها. ومن نماذج
التلاعب و التراخي التلاعب في اجراءات المشتريات العامة ، وضعف رقابة الدولة علي
الأسواق و الإنتاج الإقتصادي والواردات عبر التساهل في المواصفات والمعايير
والمطلوبات، وضعف حماية حقوق الملكية وتسيب الموظفين وتفريطههم في أداء مهامهم
ومسؤولياتهم.
7-
نزيف العقول وتشريد الكفاءات المهنية المقتدرة العمل في القطاع العام
بسبب محاربتها من قبل عصابات الفساد نتيجة رفضها لممارسة ألاعيب الفساد. ويتسبب
ذلك في ضياع الكوادر البشرية المقتدرة و
لايبقي في المؤسسات العامة الا ضعاف الموظفين او الفاسدين او المتصالحين مع الفساد.
8-
ضياع الكثير من وقت المراجعين من المواطنين وغير المواطنين نسبة لتعمد
الموظفين والمسؤولين الفاسدين علي تعقيد الإجراءات والتلاعب بالوقت لإجبار طالبي
الخدمة لتقديم الرشاوي لهم نظير الإسراع في إنهاء المعاملات.
لا تتوقف آثار الفساد على الدولة والإقتصاد
والسياسة فتذهب ايضاً لإفساد قطاعات أخري مهمة مثل الإعلام والمجتمع المدني .
ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:
1-
إلحاق الأضرار بنسيج المجتمع وسلوكيات الأفراد عبر إنتشار الأنانية
وضعف الإنتماء الجماعي، والإحساس بالمسؤولية العامة، وإنتشار روح الإحباط مما يؤثر
سلباً على الإنتاج والمبادرات.
2-
بث ثقافة متساهلة مع الفساد وعدم الإنضباط بأخلاقيات العمل والقيم
السمحة وشيوع حالة ذهنية تبرر الفساد.
3-
إفساد وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية عبر
تكوين شبكات علاقات مصالح بين المسؤولين والسياسيين ورجال الأعمال الفاسدين وقادة
وكوادر هذه المؤسسات وإستغلالهم في تغبيش وعي المجتمعات، وتبييض أعمال المسؤولين
ورجال الأعمال الفاسدين وتقديمهم في ثوب رجال صالحين للمجتمعات.