السبت، 16 يوليو 2022

الإنسان وظلم الكلاب: أمراض الإنسانية في أوضح صورها

في برنامج تلفزيوني في أواخر العام 2020،  أفتى فضيلة الشيخ شوقي علام مفتي الديار المصرية بنفي صفة النجاسة عن حيوان الكلب وألحقه ببقية الحيوانات الأخرى التي لا يبطل ملامستها الوضوء. بنى فضيلته تلك الفتوي على آراء فقهية قديمة ترجع الي مذهب الإمام مالك السائد في مصر وبلدان افريقيا الاخرى ومنها بلادى السودان. بالتأكيد أن هناك الكثيرين الذين يحملون آراء مخالفة لرأى هذا الشيخ لكن العبرة في الحجج التي يستخدمونها. رغم أنني متواضع المعرفة في الفقة الديني، كانت تراودني الشكوك حول صحة الآراء المعادية للكلاب والداعية الى تكريه الناس في ملامستها او تربيتها او الإحسان عليها من منظور ديني نظراً لعدم تناسب المزاج المسيطر على أصحاب هذه الآراء مع قصص القران وأحاديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم . ففي قصة أهل الكهف مجد الله جل وعلا الكلب المرافق لهذه الجماعة من المؤمنين بذكره في القرآن ولم يتحاشي ذلك، هذا فيما يخص القران ـ اما فيما يتعلق بالسنة، فقد جاء في الحديث ان الله كافأ رجلاً من بني اسرائيل بدخول الجنة لتسببه في إنقاذ حياة كلب عطشان بعد أن استخدم الخف الذي كان يلبسه في نقل الماء من البئر الي سطح الارض لسقاية الكلب.

 لا أعتقد بأن ثمة حيوان تعرض لظلم البشر أكثر من الكلب. تأتي مرارة الظلم هنا لعدم توفر عنصر العداوة المتبادلة. فالكلب من أكثر الحيوانات إرتباطاً بالناس. فهو الذي يحرس منازلهم، ويساعد الرعاة منهم في حماية بهائمهم من الدواب الضارة، والمزارعين منهم في حماية مزروعاتهم من الحيوانات، كما تمتد خدماته الي الأجهزة الأمنية والشرطية في المساعدة في الكشف عن الجرائم والمجرمين. إلا ان كل هذه الخدمات الجليلة لم تشفع له لدي البشر الذين يبادلون وفاءه بالجحود ونكران الجميل، ويواجهون إخلاصه بالإحتقار، والتشويه وعدم التقدير وإلحاق الصفات السيئة، ويتمادون أكثر من ذلك في إستخدام اسمه مثالاً كريهاً في مهاجمة وتشويه بعضهم البعض ( انت كلب ، انت إبن كلب.... ).

هناك عدد من الأسئلة التي تفرض نفسها في حالة علاقة الإنسان بالكلب. هل الإنسان بطبعه مخلوق جاحد للجميل؟ هل لا يقدر الإنسان سوى الشخص الذي يخشي منه او الذي يحتاج له؟ او الذي يملك القدرة على رد الإهانة او الذي يعاقبه بمسك يد المساعدة والخدمة؟  هل هناك بعض المبررات التي خلقت هذه الذهنية العدائية ضد هذا الحيوان الوفي اللطيف ؟.  بالطبع أن الأمر كله لا يمكن تفسيره فقط بسوء البشر وعدوانيتهم. هناك عبارات عدائية سمعتها من أحد كبار السن تجاه الكلب. قال لي في سياق حديثه أن الكلب من أشجع الحيوانات لكنه يفتقد للهيبة والإحترام من الآخرين لعدة أسباب وهي:

1-      يفتقد النخوة والوفاء  والإنتماء لبني جلدته من ملة الكلاب، فهو يتساهل مع كل الحيوانات الأخرى ويتفادي أحيانا مهاجمتها فيما تزداد شراسته ضد إخوانه من ملة الكلاب.

2-      لا يبني لنفسه او لإبنائه مقاماً او بيتاً فهو دائماً يسكن أمام منازل اسياده ويكتفي بما يقدمونه له من طعام ويتصدى للمخاطر نيابة عنهم نظير ما يجودون به من فتات.

3-      يبادر بالدخول في معارك غير ضرورية يستخدم فيها إزعاج صوته وإستعراض أسنانه ثم ينسحب بسهولة بمجرد الضرب او الطرد دون ان يحقق  هدفاً او نصيباً من المعركة.

4-      أماكن العورة في جسده غير مستورة كحال بعض الحيوانات، كما يقضي وقتاً كثيراً في مطاردة لانهائية لأناث الكلاب لإشباع حاجاته الجنسية الزائدة.

يزخر الأدب العربي بكثير من القصص والأشعار المتعلقة بالكلاب والتي تترواح بين المدح والذم. في قصيدة مشهورة  عن حب الناس لأهل الغنى ونفورهم من الفقراء يقول الشاعر العربي:

حتي الكلاب اذا رأت رجل الغني                حنت اليه وحركت أذيالها

وإذا رأت يوماً فقيراً ماشياً                         نبحت عليه وكشرت أنيابها

في الجانب الآخر، هناك الكثير من القصص التي تمجد الكلب وتحترمه، وتعدد محاسنه الكثيرة. شاركني أحد الأخوة تعليقاً مستخلصاً من قصة واردة في كتاب حكايات الصالحين للسيد عبد الحليم خفاجي تعدد المزايا الطيبة للكلب. تقول القصة انه كان لأحد الصالحين صديقاً وكان يدعو هذا الصديق الي منزله، فكلما يذهب اليه الصديق رده بعذر مختلق وكأنه يقصد إمتحانه (تحدث مثل هذه القصص في حياة الصوفية). بعد أن تكررت المسألة وتطاولت سأل الرجل الصالح صديقه قائلاً: أنك تعرف أنني أتعمد ردك ولكنك لم تتبرم من ذلك او تغضب او تقاطعني. ما هو السبب وراء هذا الصبر. فرد الصديق قائلاً: لا تستغرب وجود صفة من صفات الكلاب في شخصي ، فالكلب لا يغضب عندما يتم طرده فيعود لصاحبه مره أخرى. ومضى معدداً صفات الصالحين التي يتمتع بها الكلب حيث قال:

1-       يكون الكلب دائماً في حالة جوع..... وذلك من آداب الصالحين.

2-      لا يكون له مكاناً معروفاً.... وذلك من صفات المتوكلين.

3-      لا ينام من الليل الا قليلاً....... وذلك من صفات المحبين.

4-      إذا مات لا يترك ميراثاً...... وذلك من صفات الزاهدين.

5-      لا يترك صاحبه و إن جفاه او ضربه..... ذلك من علامات المريدين الصادقين.

6-      يرضى من الأرض باي موضع ( يكفيه مكان ضيق وصغير)...... ذلك من علامات المتواضعين.

7-      إذا غلبه أحدهم علي مكانه او طرده منه .... ترك له المكان وإنصرف الي مكان آخر ينوم فيه..... ذلك من علامات الراضين.

8-      اذا طرده صاحبه ثم قدم اليه طعاماً، أكل ذلك الطعام دون أن يمنعه الكبرياء او الحقد .... ذلك من علامات الخاشعين.

9-      اذا جلس الناس للطعام يجلس بعيداً عنهم ولا يزاحمهم...... ذلك من علامات المساكين.

10-  اذا رحل اصحابه من مكان الي آخر لا يلتفت الى ذلك المكان.... وذلك من علامات المحزونين.

عليه ، أختتم المقال بإرسال التحايا العذبة لجماهير الكلاب في بقاع الأرض المختلفة.

Source of the photo

https://www.freepik.com/free-photo/group-portrait-adorable-puppies_3532149.htm#query=dogs&position=0&from_view=search