تشغل قصص صراعات الحيوان حيزاً مقدراً في تراثنا العربي والإفريقي. وتظهر هنا قصص الثنائيات المتشاكسة والمتصارعة مثل الثعلب والدجاج، والقط والفأر. هذه القصص تشكل مادة شيقة للأنس او إستخلاص الحكم وأخذ الدروس او التربية والتنشئة والتثقيف و قصص وحكاوي الأطفال. تعتبر قصص الثنائي القط والفأر من أروع القصص وأكثرها تردداً. وتنحو هذه القصص دوماً إلى تسليط الأضواء على السلوكيات التي تحكم العلاقات بين القطط والفئران ومحاولة مقارنتها بتصرفات البشر. تشير بعض هذه القصص الي أساليب القطط في الإيقاع بالفئران و إستعمال الفئران لذكائها في تفادي مكر القطط وقسوتها، كما تشير الي نواحي أخرى مثل الميل الغريزي للقطط في ممارسة الإعتداء على الفئران التي لاحول لها ولا قوة، ولا تملك من المخالب والأدوات ما يمكنها من الدفاع عن نفسها. يدخل القط معركته ضد الفار دون خوف من الخسائر علي جسده وإمكاناته نظراً لضعف الخصم وهوانه. فإن أمسك بالفار فقد تحققت له مصلحة وقتية بسد رمقه، وإن فشلت مطاردة واحدة فبإمكانه التخطيط لمطاردة أخري. قد يفشل في الإمسك بالفأر لكن بالطبع سوف لن تتمكن جماهير الفئران في التصدي لجبروت القط وعنفه وقسوته وإن اجتمعت على قلب رجل واحد. في هذه الحالة لا يوجد خيار أمام الفئران غير إستغلال الذكاء في المناورة، والإختفاء، والغش، والجرى للمحافظة على حياتها وحريتها في مواجهة هذا الخصم صاحب الأسنان والمخالب والنظرات الحادة. من النماذج المعتادة هنا قصة القط توم والفار جيري ومطارداتهما اللانهائية و ما تمثله من مشاهد ممتعة ظلت تجتذب أطفال العالم جيلاً بعد جيل، وتحافظ على تسمرهم أمام شاشات التلفزيونات وهم يتابعون الأفلام الكرتونية التي تعرض عدوانية توم وذكاء جيري ومرواغات الأخير وخططه. في السياسة والصراع، توصف المعارك غير الجادة بين الخصمين بلعبة القط والفأر في إشارة الي سلوك القط في التلاعب بالفأر دون القضاء عليه، اي إطلاق سراحه ثم ملاحقته للقبض عليه مرة أخرى، لتأكيد تفوقه وسيطرته وقدرته، وكذلك إستعمال الخصم الأضعف لأساليب إستفزاز الخصم الأقوى دون إلحاق الأذي الكبير والمؤلم به بغرض إخطاره بقدرته على الفعل والتأثير.
سأحاول هنا تقديم بعض نماذج القصص والتي تدور حول علاقات القط والفار والمقولات المرتبطة بها:
لكن من الذي سيعلق الجرس في رقبة القط: الحلول غير الواقعية:
تطرح المقولة الشائعة ( لكن من الذي سيعلق الجرس في رقبة القط) في مواجهة مقترحات الحلول غير الواقعية في التصدي لعدو قوي يمتلك القدرة على إلحاق الأذي الجسيم. ترجع قصة العبارة إلي التراث الإغريقي وفحواها أن مجموعة من القطط عقدت إجتماعاً لمناقشة مشكلتهم مع قط قاسي أحال حياتهم الي جحيم وتسبب في حرمانهم من الخروج والبحث عن أرزاقهم بعد أن قضي على حياة عدداً منهم. طرحت خلال الإجتماع عدد من المقترحات والحلول منها أهمية التعرف على الوقت الذي يخرج فيه للإصطياد لإتخاذ الإحتياطات اللازمة. إقترح أحد الشباب تعليق جرس في رقبة القط للمساعدة في التعرف على مجيئه وحركته لإتخاذ الإحتياط الواجب في الإختفاء. وجد المقترح التأييد من الحضور لكن إعترض عليه أحد شيوخ الفئران المشتهرين بالحكمة والتجربة الذي توجه بحديثه للحضور متسائلاً: لكن من الذي سيعلق الجرس في رقبة القط، فبهتوا جميعاً ولم يتجرأ أحد منهم للتطوع بالمخاطرة بحياته في مواجهة القط.
تروي القصة في إطار التأكيد على صعوبة تغيير السلوك الإجرامي لمعتاد الجريمة. القصة من التراث البجاوي وهي مترجمة من لغة البداوييت. تقول القصة: قرر القط في لحظة من لحظات حياته التوبة عن الحرام، ووقف التعدي على الآخرين، فذهب حاجاً لبيت الله الحرام. بعد العودة السالمة من الرحلة الميمونة، توافدت الحيوانات الأخرى زرافاتاً ووحداناً إلي دار القط مقدمين له التهاني بزيارة الأراضي المقدسة مع الدعوات بقبول الحج وغفران الذنوب. إستدركت جموع الحيوانات غياب شخص مهم عن إحتفالات التهنئة وهو الفأر لا سيما وأنهم كانوا يتوقعون وجوده في مقدمة المحتفلين بتوبة القط نظراً لتضرره البالغ من أفعال القط. هنا تدخل (الأجاويد) وبعد جولات من المساعي الحميدة نجحوا في إقناع الفأر بالذهاب الي دار القط لتقديم التهاني. ذهب صاحبنا متردداً وعلى إستحياء وبعد وصوله للدار جلس بعيداً عند المدخل، وقدم تهنئته من على البعد ثم غفل راجعاً لمقره على وجه السرعة. عاد (الأجاويد) مرة أخري للسيد الفأر مستفسرين عن إنطباعاته عن الحاج التائب. بعد تفكير طويل، قال إن صاحبكم (القط) بالفعل ذهب الى بيت الله الحرام، وأعلن توبته أمام الله لكنني شخصياً لم أطمئن لنظراته، فهي ذاتها التي كنت أعرفها من قبل، لم تتغير ولم تتبدل ولم أرى أثراً للإيمان والرحمة في عينيه.
القط متهرشاً بالفأر: لا تكشح التراب في وجهي:
العبارة مأخوذة من قصة شائعة تقول أن القط والفار إتخذا قارباً في رحلة بحرية وبينما هما في وسط الماء، إستبدت بالقط الرغبة في إختلاق معركة مع الفأر فقال له بلغة صارمة وعنيفة: لماذا تكشح التراب في وجهي، فرد الفار قائلاً: إننا في قارب في البحر فأين أجد التراب حتي أكشحه في وجهك. فإنقض عليه القط متهماً أياه بقلة الأدب والتطاول والإفتراء وكثرة الكلام. تروي القصة في سياق الإشارة إلي الشخص الذي يختلق سبباً لإشعال المعارك مع طرف آخر دون توفر ظروف منطقية او موضوعية تدعو الي ذلك الإشتباك.
الفأر الذي فقد حياته نتيجة لطمعه:
تروى القصة للإشارة الي سلوك الطماعين والإنعكاسات السالبة لمحاولة التكسب أكثر من الحاجة على الإنسان. تقول القصة كان الفأر يسكن بالقرب من مخزن مليء بكل ما لذ وطاب من الأطعمة التي يشتهيها الفأر، و كان هذا المخزن يخضع لحراسة قط شرس لايسمح لاي كائنات أخري بالإقتراب والسرقة. بعد فشل المحاولات في الوصول إلي المخزن، قرر الفأر إتخاذ سبيلاً أكثر صعوبة، وذلك عبر حفر نفق أرضي. بعد جهد جهيد وقضاء الأيام والليالي في الحفر، تمكن من الوصول إلى أرضية المخزن و فتح فتحة صغيرة. أصبحت هذا الفتحة تسرب له يومياً حبات من القمح تكفي لسد رمقه وتعفيه من مصاعب البحث عن الغذاء وأصبح رزقه يأتيه كل يوم. بعد فترة من الراحة والعيش الرغد والسهل، قال الفأر لماذا لا أوسع هذه الفتحة وأدخل الي المخزن وأحصل على كمية أكبر ومتنوعة من الطعام. وعمل على توسيع الفتحة، وتمكن من الحصول على طعام أوفر لكن تسببت هذه الفتحة في فقدانه لحياته. ففي أحد جولاته التفقدية داخل المخزن، إكتشف القط وجود فتحة في أرضية المخزن فدخل عبرها ليلج الي نفق الفأر حيث وجده فقضي عليه. ( القصة مأخوذة من المصادر المفتوحة في الإنترنت مع التصرف في الصياغة).