سلوفينيا دولة اوروبية صغيرة تقع في موقع
ذكي منحها قيمة إضافية ، كما جلب لها الكثير من الأعباء طوال تاريخها مثلما هو
الحال في كل البلدان التي تتمتع بمزايا الجغرافيا. يمكن إعتبار سلوفينيا دولة
متوسطية بحكم إطلالتها الصغيرة على البحر الادرياتيكي المتصل بالمتوسط ، كما يمكن إعتبارها
دولة من شرق اوروبا وإقليم البلقان وهكذا دولة من وسط اوروبا وغربها ودولة من
جمهوريات الألب ، فهي منطقة للتداخل الثقافي بين تيارات الثقافات الألمانية والإيطالية
والسلافية. عاشت سلوفينيا جزء من تاريخها وهي تتبع للإمبراطورية النمساوية المجرية
قبل إنهيار الاخيرة بعد الحرب الكونية الاولي في العام 1918 ، كما اصبحت جزءاً من يوغسلافيا
الذي قامت على الاقليم البلقاني من الامبراطورية المنهارة ، وهو كيان سياسي إرتبط
معظم تاريخه بشخصية قيادية فذة نجحت في المحافظة عليه وإستمراره وبدأ هذا الكيان
في الإنهيار بمجرد وفاة الأب المؤسس في ظاهرة غريبة في تكوين الدول وانهيارها وقد إكتمل
هذا الإنهيار بالتزامن مع إنهيار الكتلة الشرقية في بدايات العقد الاخير من القرن
العشرين. هذا الشخص هو جوزيف بروز تيتو وهو بالتأكيد شخص غير عادي ظهر في فترات
تحول تاريخي وساهم بشكل فعلي في صناعة الإحداث وقيادتها . بدأ حياته جندياً في جيش
الإمبراطورية النمساوية المجرية ثم هاجر للإتحاد السوفيتي وإعتنق بعض أفكاره وليس
كلها وعاد قائداً شعبياً قاد حرب التحرير ضد الوجود الألماني وتمكن من تأسيس الإتحاد
اليوغسلافي الذي إستمر على قيادته حتي وفاته في بداية ثمانينيات القرن العشرين .
نجح تيتو في تجميع عدد من القوميات في كيان واحد كما تمكن من صنع سياسية متوازنة
في عالم فترة الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي ، فهو من أهم
رموز حركة عدم الانحياز . ونجح في تأسيس دولة تجمع بين ملامح الشرق والغرب في أوج
فترات الصراع حيث أخذت يوغسلافيا ببعض إقتصاد السوق وبعض من نفوذ الدولة على
التجارة والسوق ، كما إعترفت بنقاط التقاطع بين الشعوب ومنحتها قدر من الإستقلال
الذاتي في إطار كيان إتحادي صارم . ربما
كان ذلك سبباً في تسهيل تقاسم الورثة ، فذهب كل بما تحت يديه .
تعتبر مدينة ليوبيليانا مركز الدولة
السلوفينية وعاصمتها السياسية والإدارية ، وهي مدينة صغيرة حالها كدولة سلوفينيا
ولكنها منظمة بالشكل المطلوب والسليم . قلعة ليوبيلينا تستقبلك بطلتها الملفتة
للعيان وانت داخل للمدينة وهي صورة تتكرر في أغلب المدن الاوروبية حيث كانت هذه
القلاع بمثابة مراكز للحكم وقيادة للجيوش فأغلبها مبنية فوق رؤوس جبال تمنحها
موقعاً مركزياً ومتحكما في المدن وقد اصبحت في عصرنا الحاضر مواقع سياحية تستقطب
السياح وتدر الدخل كما تمثل مكاناً لإستشراف التاريخ والتعلم من الماضي . وقد زرت
عدد من هذا القلاع في المدن الاوروبية التي تشرفت بزيارتها مثل سالزبورج وغراتس.
يلاحظ السائر في شوارع ليبوبليانا بعض من
الحيوية والحراك الذي يقوده الشباب المقبل على الحياه في شكل حفلات موسيقية في
الشارع او تجمعات شبابية وقد لاحظت ذلك اثناء مروري بمواقع المدينة مثل ساحة
الجمهورية او على ضفاف نهر ليبوبيانكا الذي يشق المدينة في مسار ضيق ولكن يعج
بالحياة من كل نوع حيث تنتشر المقاهي والمطاعم .
|
صورة لقلعة ليوبيليانا من ادني |
|
مدينة ليوبيليانا من قمة القلة |
|
جانب من نهر ليوبيليانكا الذي يشق المدينة |
|
شجرة الميلاد بكامل زينتها في في وسط المدينة على ضفاف نهر ليوبيليانكا إحتفالاً ببدء العام 2018 |
ليبويليانا مدينة خضراء تشغل المساحات
الخضراء حيزا معتبرا من مساحتها وقد أهلها ذلك للفوز بالجائزة الاوربية للمدن
الخضراء في العام 2016 وتلاحظ الحجم الذي تشغله بعض الحدائق العامة المفتوحة مثل
حديقة تيفولي بارك التي تشغل حيزاً واسعا
من مساحة المدينة وهكذا حديقة كروجنسكي.
للحب نصيب من التقدير في المعمار السلوفيني
، فعلي ضفاف نهر ليوبيلينكا خصص جسر صغير لمرور المشاة تحت مسمي جسر العشاق ( Butchers’ Bridge –Mosarki most
) في تقليد اشبه الي حد ما
بجسور العشاق في مدن اوروبية اخري مثل باريس او سالزبورج وغراتس وغيرها لكن في
الجسر السلوفيني يطالعك عند المدخل تمثال لادم وحواء ، ربما قصد به تجسيد لمفهوم
الحب الانساني وقيمته كرابط بين الذكر والانثي ، كما تجد الاقفال المعلقة موضوعة بشكل
منتظم علي اعمدة الجسر ومكتوب عليها اسماء العشاق من الذكور والاناث وقد اعلنوا
هنا ربطاهم الابدي والقوا المفاتيح في قاع النهر حتي لا يفتح هذا القفل مرة اخرى.
ومن الجسور المهمة في المدينة جسر التنين والذي يقع بالقرن من جسر العشاق ، كما
يمكن الانعطاف على سوق الفاكهة والخضر ، بالقرب من الجسر، حيث يتباري المزارعين في
عرض بضاعتهم الطازجة والقادمة من المزارع مباشرة.
|
جانب من جسر العشاق |
|
تمثال التنين في مدخل الجسر المسمي باسمه |
|
اسواق المزارعين تقليد اوروبي جميل |
تلاحظ إهتمام سلوفينيا بالفن والموسيقي والاداب
في أكثر من ملمح ومنه العدد الملفت للمؤسسات التي تهتم بذلك في مركز مدينة
ليبوبيليانا مثل دار الاوبرا السلوفينية والمرسم القومي والمركز الموسيقي فضلا عن
العدد المقدر من المتاحف مثل المتحف الوطني ومتحف التاريخ الطبيعي . كما تجد هذا
الاهتمام في التوثيق لرموز الابداع الثقافي في صور أخرى ، ففي منطقة مهمة في وسط
المدينة علي ضفاف نهر ليوبيلانكا غير بعيد من مبني البلدية والقلعة التاريخية وأمام
واحدة من أهم الكنائس التاريخية يقف تمثال كبير لاحد الشعراء السلوفينيين وهو بيرزنا
(Perseren
) وتجد العشرات من الرجال والنساء المحيطين بالتمثال بغرض التقاط الصور التذكارية
. وتسمى الساحة التي يقف فيها التمثال باسبومنيك فرانسيتا ( Spomenk Franceta)
وهو اسم الكنيسة المواجهة للساحة.
|
تمثال الشاعر السلوفيني بريزيرن |
|
المتحف الوطني السلوفيني |
|
المبنى الرئيس لجامعة ليوبيليانا |
|
ساحة باسبومنيك فرانسيتا |
عند زيارتي لاي عاصمة، أحرص عل زيارة
البرلمان الوطني لما يمثله من قيمة ، ففي معظم الدول تجد البرلمانات حظها من
التميز العمراني فضلاً عن قيمتها المعنوية كرمز لشرعية الحكم وسلطة الشعب . ذهبت لإلتقاط صور من مبني البرلمان وهو
مبني لا يخلو من بساطة ولكن جميل وأخاذ وتقع أمامه ساحة الجمهورية ( Trag Republike )
وهي الساحة التي شهدت إعلان ميلاد الجمهورية السلوفينية المستقلة في العام 1991 مما
أعطي المنطقة التي تحتضن البرلمان زخماً إضافيا على قيمة البرلمان نفسه .
|
مبنى البرلمان السلوفيني |
|
ساحة الجمهورية بليوبيليانا |
|
مبني بلدية ليوبيليانا |
|
ساحة ليوبيليانا في وسط المدينة وتظهر القلعة في الخلف |