السبت، 25 فبراير 2017

عودة الي الماضي: مع معالم كوش ومروي في متحف السودان القومي

المتاحف تظل هي المكان المناسب الذي يمكنك من التعرف بصورة سريعة، وغير ذات عناء علي معالم الحضارة والتاريخ . هذا عكس المكتبات والكتب التي تحتاج الي قضاء وقت كثير في الإطلاع . المعلومات التي تعرضها المعارض، تكون كالعادة معدة بشكل مختصر وموجه بعناية لنقل المعلومة للمتلقي. كالعادة، احرص عندي زياراتي لاى مدينة بزيارة المتاحف . بحمد الله تشرفت بزيارة بعض المتاحف ذات الصيت العالمي مثل المتحف المصري ومتاحف فيينا والارميتاج بسان بطرسبورج واللوفر بباريس .
مدخل المتحف نحو قاعات العرض 
 متحف السودان القومي هو اب المتاحف السودانية ، ويعكس جوانب مضيئة من حضارة السودان التي يمكن القول أنها تدهش البشرية كل يوم لانه لازالت في طور الإكتشاف ، فلا يمر شهر او عام الا ويتم الإعلان عن كشف أثري جديد حيث تنشط عدد من البعثات الاثرية بالتعاون مع هيئة الأثار السودانية في هذا العمل الضخم. وتضم  هذه البعثات خبراء من سويسرا والمانيا والنمسا والتشيك وغيرها كما نجح من قبل خبراء من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وبولندا في إكتشاف بعض الآثار السودانية وفك طلاسم بعضها . كما بدء في السودان مشروع كبير بدعم من دولة قطر لحماية الآثار واكتشافها، وهو يشكل بمثابة خطوة جيدة في طريق طويل يتمكن عبره السودان في إكتشاف آثاره وحمايتها ومن ثم إستغلالها معرفياً وسياحياً.
تكونت النواة الاولي لمتحف السودان في فترة الإستعمار البريطاني وقد توسع فيما بعد بدعم من اليونسكو حيث تم نقل عدد كبير من الآثار التي تم إنقاذها من بحيرة النوبة الصناعية بعد بناء سد اسوان العالي في مصر . حالياً يضم المتحف مقتنيات وآثار من كل عهود الحضارة السودانية بدءاً من مروي مروراً بكوش ونبتة انتهاءً بالعهدين المسيحي والاسلامي ، بالاضافة الي معابد تم تفكيكيها وتركيبها مرة أخرى وهما معبدي بوهين وسيمنا اللذين تم إنقاذهما بعد بناء سد اسوان . ويقع المتحف في منطقة متميزة في وسط الخرطوم في منحي غير بعيد عن ملتقي النيلين الابيض والازرق، وهي المنطقة المركزية والسياحية الأولى في الخرطوم. عند مدخل المتحف تستقبلك الأسود الكوشية التي تم وضع تماثيلها على جانبي الممر المؤدي لقاعات العرض في مشهد فني رائع يعكس الحضارة السودانية في أحد أهم رموزها وهو الأسد. وفي بهو المتحف، يقف تمثالان ضخمان لملكين نوبيين ينتصبان في شكل مهيب بخطو واثقة نحو الامام ، تم وضعهما في شكل متوزاي لكن للاسف الشديد لم يتم التمكن من معرفة اي معلومات عنهما ، غير معلومة إنهما من فترة الملك المروي نتكماني. تم نقل التمثالين من منطقة تبو بنواحي كرمة في شمال السودان.
التمثالان الضخمان في بهو المتحف
الاسود الكوشية وهي تستقبل الزائرين في مدخل المتحف

تتفرد الحضارة السودانية ،التي ترجع الي 7000 عام، بمزايا غذتها جغرافية السودان وموقعه في قلب افريقيا المرتبط بشمال افريقيا وعبرها بنفحات الشمال المتوسطي والاوروبي واتصالها بالبحر الاحمر وعبره باسيا والهند فضلا عن كون وجودها في مركز افريقيا الذي مكنها من الاتصال مع كل اركانها واطرافها الجغرافية. توصف مروي القديمة بان كانت بيرمنجهام افريقيا نظراً لازدهار صناعة الحديد فيها التي شهدت تطوراً كبيراً عكسته معالم الآثار التي خلفتها. نمت مروي بفضل إرتباطها بروابط تجارية محلية ودولية ، في فترة إمتدت مابين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد. وتعكس الآثار السودانية الترابط والاتصال بين السودان والعالم الخارجي، ففي آثار مروي في منطقة النقعة تجد معبداً رومانياً مكتملاً تم بناءه جنب علي جنب معبد إله الحرب المروي أبادماك، كما تجد في آثار نبتة في كريمة والبركل وكرمة ما يتصل بالحضارة الفرعونية المصرية في شكل تماثيل للآله آمون . كما تعكس الآثار النوبية إتصالاً بالمسيحية في شكل كنائس مزخرفة تم بناءها في دنقلا العجوز وفرس وجزيرة صاي.
لفت نظري في صالات المتحف تماثيل الملوك الكوشيين ومنهم تمثال الملك تهراقا العظيم الذي ينتصب شامخاً بقامته المديدة وبملامحة السودانية الأصلية ، وهو أحد ملوك الاسرة 25 الكوشية التي حكمت وادي النيل وامتد حكمها الي الشام ودخلت في معارك مع الآشوريين . وكذلك تماثيل الملكة اماني مليل ،والملك اثلانبرسا، والملك اثلاماني الذين تم وضعهم في شكل صف طولي .  كما توجد في المعرض مسلة الملك بعانخي والد تهراقا وتتضمن نقوش وكتابات عن فترته .
تمثال الملك تهراقا العظيم بن بعانخي 

تماثيل الملوك الكوشيين 

مسلة الملك الكوشي بعانخي الذي حكم السودان ومصر والشام 

أتمني أن تجد الآثار السودانية حظها من الإهتمام والإكتشاف، والعرض، وتثقيف المجتمعات بقيمتها، والعمل علي إسترداد ما تم نقله او تهريبه للخارج . فهي تمثل قيمة معنوية تعكس عمق الحضارة السودانية وتفردها . كما أتمني ان تتواصل المجهودات الرامية لفك طلاسمها لا سيما اللغة المروية التي كتبت بها نقوش الآثار الكوشية القديمة التي لا زالت مجهولة . كما يجب أن يتم تشجيع تعريف العالم بقيمة هذه الآثار وبحمد لله فقد تم تسجيل بعض مواقع هذه الآثار في سجل التراث الثقافي الكوني لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) ، وهي آثار مروي القديمة في النقعة والمصورات بالإضافة إلي موقع آثار نبتة في البركل وكريمة ومروي